
البلاغة الجديدة ومنطق التشريع القانوني
أنوار طاهر: باحثة ومترجمة عراقية
متخصصة في الدراسات الفلسفية والحِجاجية
حاصلة على الماجستير في الفلسفة-كلية الآداب-جامعة بغداد
لها مجموعة من المقالات والأبحاث المنشورة في مجلات عربية اكاديمية محكَّمة.
حاصلة على جائزة العلوم في الفلسفة-العراق في عام 1999.
صدر لها:
(فلسفة الحِجاج البلاغي...نصوص مترجمة لشاييم بيرلمان) مراجعة وتقديم البروفيسور أبو بكر العزاوي، سنة 2018.
(فلسفة البلاغة الجديدة)، مراجعة وتقديم البروفيسور أبو بكر العزاوي، سنة 2020.
البريد الالكتوراني : عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
تقديم المترجمة
عندما ارتفعت أصوات الأكاديميين في العالم الغربي، منذ سنوات الثلاثينيات، تنادي بـ «الضرورة المطلقة» للتفاعل بين العلوم والمناهج في قراءة الظواهر البشرية، وفي مقدمتها الظاهرة اللغوية وعلاماتها الدلالية، وإلا فهم سيبقون، حسب تعبير اللغوي الأمريكي أوريل وينريتش، في «حالة من الجهل»، تستمر معها «الفجوة الحتمية» بين النظريات العامة حول الدلالة، وبين أبحاث خاصة تركز على تحولات الدلالة في كلمات محددة. هذا الأمر الذي جعل العلوم اللغوية، في نهاية المطاف، تقتصر في بحوثها فقط على دراسة الملامح الخارجية الشكلانية للعبارات، دون أن تطور نظريات ومعارف حول ذلك المفهوم. وعندما يخبرنا اللغوي الإيطالي البروفيسور توليو دي ماورو أنه «يمكن لحالة معارفنا السيميائية أن تتقدم كثيراً شرط ألا نعتبر دلالاتنا، بعد الآن، على إنها وظيفة لصيغ شكلية لغوية، أي بمثابة مكون دلالي متأصل فيها، وإنما أن ننظر إليها بوصفها نتيجة ووظيفة لفعل دلالي؛ لسلوك لغوي للإنسان داخل سياق جماعات تاريخية حيث يندمج فيها ويعيش من خلال تماسك دلالي متبادل قبل كلّ شيء»1. فهذا الحال ينطبق، تماماً، على البلاغة الجديدة للفيلسوف ش. بيرلمان، فهي نظرية قد تبقى مختزلة على دوائر البحث في صيغ حِجاجية شكلية على الطريقة البرهانية التي تبقى حبيسة مُسَلَّمات صحيحة تقود لنتائج صحيحة بالضرورة، وبالتالي، لا يمكن فهمها واستيعابها من حيث المنهج والمفهوم داخل سياق اللغة الأخرى، دون أن يتم تسليط الضوء على كامل عدتها التفاعلية مع العلوم والمناهج المختلفة، والتي لولاها لما تميزت بلاغة مدرسة بروكسل الجديدة في تقديمها تأويلات مبتكرة للعقل العملي واساليبه الكلامية والكتابية في التفكير والاستدلال، في حواراتنا ومناقشاتنا ومناظراتنا في الحياة اليومية في مختلف المجالات، ومن ثمة، في إعادتها الاعتبار إلى الحِجاج البلاغي بوصفه ذاكرة الثقافات البشرية التي ينبغي العمل على تطوير تقنياتها وبما يسهم في ابتكار ذاكرة التجديد والابتكار، والتخلص من ذاكرة التحشيد والاجترار.
وقد جاء انتقاء نصوص البلاغة الجديدة التي ترجمناها إلى اللغة العربية، وبالطريقة التي تعمل على تحقّق ذلك الهدف، سواء من خلال إبرازها للعلاقة القائمة، اولاً وقبل كلّ شيء، بين البلاغة والفلسفة؛ البلاغة والمنطق والابستمولوجيا؛ البلاغة والسوسيولوجيا؛ البلاغة ونظريات اللغة والتداولية؛ البلاغة والنظرية السياسية؛ البلاغة ونظريات التواصل وتحليل الخطاب. ومع ترجمتنا اليوم، لمقدمة كتابه المهم: (منطق التشريع القانوني: البلاغة الجديدة لسنة 1976)2، يسلط الضوء مُعلم المنطق القانوني ش. بيرلمان على العلاقة المتداخلة بين البلاغة والقانون، وعلى إن البلاغة الجديدة بوصفها منطق البحث في تشكيل الأحكام القيمية، لا تنفصل بتاتاً عن منطق تشريع القوانين التي تحكم المجتمعات البشرية وتتحكم في مصائرها، ويذكرنا بيرلمان أنه:
«ما دمنا نعتبر إن الاستدلال القانوني يتعلّق بتطبيق القانون، سواء كان الامر يتصل بقرار قضائي أو إداري؛ وإنه عملية تركيب لغوية استنباطية بسيطة، يجب أن يتم تقدير الحلّ فيها بالاستناد فقط على معيار المشروعية، دون مراعاة ما قد يتسم فيه من خصائص عادلة؛ معقولة أو مقبولة، فيمكننا القول إن مثل هكذا نظرية بحتة في القانون لا بدّ وأن تتجاهل أحكام القيمة. لأنه، في الواقع، بقدر ما تنخرط هذه الأخيرة في تشكيل القرار واصداره، دون أن ينتج عن ذلك أي خرق للقانون، بقدر ما هي أحكام قيمية تخضع لضمير القاضي، وتفلت بذلك من أي رقابة قانونية. لكن، أحكام القيمة المتعلقة بالقرار نفسه لا يمكن استبعادها من القانون، لأنها توجه عملية إنفاذ القانون بأكملها، ولم يعد بإمكاننا أن نهمل مسألة فيما إذا كانت هذه الأحكام هي تعبير عن دوافعنا؛ وعواطفنا ومنافعنا، وإنها بذلك ذاتية وغير عقلانية تماماً، أو إذا كان، على العكس من ذلك، يوجد منطق لتشكيل أحكام القيمة»3.
الهوامش:
Tullio De Mauro : Une Introduction à la Sémantique, Trad. De l’italien par Louis-Jean Calvet, Payot, Paris, 1969, p. 10, pp. 11-12.
Chaïm Perelman : Logique Juridique…Nouvelle Rhétorique, Dalloz, Paris, 1976, pp. 1-18.
, p. 99.
(*) النجمة هي رمز مثبت على مفاهيم محددة ضمن متن النص، يُشير إلى إمكانية الاستزادة حولها، بالعودة لقائمة مسرد المصطلحات.
[] ما بين القوسين يعود للمترجمة. وفيما يتعلق بمفاهيم بيرلمان تحديداً، تمت الاستعانة بمؤلفه العمدة (رسالة في الحِجاج):
Ch. Perelman & L. Olbrechts-Tyteca : La Nouvelle Rhétorique … Traité de L'Argumentation, Paris, P.U.F, 2 vol., 1958.
*باحثة ومترجمة عراقية متخصصة في الدراسات الفلسفية والحِجاجية.
تحميل المقال كاملا في صيغة PDF
- التفاصيل
- كتب بواسطة: مسير الموقع
- انشأ بتاريخ: 22 جانفي 2021