
السؤال الفلسفي عن المرأة
يشاع في راهننا أن المرأة أصبحت سطحية تعتمد المظاهر وتراهن على المظاهر الزائفة، ويساهم في ترويجها إعلام تافه، لأن المهم هو أن ترضي الرجل الذي يهبها المكانة والإعتراف لكي تصبح هي طرفا آخر ممنوحا دلالة وقيمة وهكذا تتسلسل العلاقة ذات الحدين :المرأة والرجل وفق تراتب شرس.
إضغط ⇓ لتحميل المقال
د.بن دوخة هشام، جامعة تلمسان
مخبر الفلسفة وتاريخ الزمن الحاضر،جامعة وهران2
يشاع في راهننا أن المرأة أصبحت سطحية تعتمد المظاهر وتراهن على المظاهر الزائفة، ويساهم في ترويجها إعلام تافه، لأن المهم هو أن ترضي الرجل الذي يهبها المكانة والإعتراف لكي تصبح هي طرفا آخر ممنوحا دلالة وقيمة وهكذا تتسلسل العلاقة ذات الحدين :المرأة والرجل وفق تراتب شرس.
هذا المنظور إلى وضعية المرأة يدهشني، ينبغي أن يدهشني لأطول مدة ممكنة، وبطريقة ملحة ربما يدفعني في الأخير إلى طرح هذا السؤال:ماذا يعني أن يعيش فيلسوف إلى جانب امرأة زائفة، لاتؤمن بأفكاره وبآرائه؟ وماذا أن تكون نساؤنا كلهن مزيفات وبدون استثناء؟
قد تبدو هذه التوطئة عنيفة في حق وضعية المرأة، لكنها في الحقيقة ترمي إلى الكشف والإنكشاف، إنها بعبارة أقرب تحريض على خلع القناع عن وجه حقيقة وضعية المرأة. لكي ندرك ذلك كان لابد لنا من استحضار جينيالوجيا "نيتشه" لوضعية المرأة في زمانه، حيث تقريبا منذ القرن التاسع عشر، بدأت المرأة تعي وضعيتها، أي بدأت توصل صوتها مطالبة بالإنعتاق والتحرر والمساواة مع الرجل في الحقوق، أو فلنقل بصراحة أن المرأة سئمت حصر دورها في الحياة كزوجة وأم فحسب. وهنا بالذات تكمن مأساتها في نظر "نيتشه"، أي في اللحظة التي تخلت فيها المرأة عن مسؤوليتها الأساسية بدأت نكبتها ويبدو أنها متواصلة لحد اليوم، ثم هل مأساة وضعية المرأة هي مخلفة من مخلفات الحداثة ؟
وبالفعل يبدو حضور المرأة قويا في نصوص "نيتشه"، و كذلك يبدو أن الشائع عن تصوره لها يكاد يساوي ما تعرضت له مفاهيمه الأخرى حول "الإنسان الأعلى" و "إرادة الإقتدار" من سوء فهم، إذ غالبا ما ينعت الفيلسوف المتوحد كونه عدوا لذوذا للمرأة، إذ دأبت العادة وقد أصبحت موضة أن تستحضر مقولة "زرادشت":"إذا ما ذهبت إلى المرأة لاتنسى السوط" كلما ذكر موقف "نيتشه" عن المرأة. بيد أن قراءة متأنية لشذراته المكتوبة على شرف المرأة تكشف عن رؤية أخرى بل عن طموح منتظر من دور المرأة.
لا يحبذ "نيتشه" مخاطبة المرأة وجها لوجه، ولذلك سوف تسلك استراتيجيته في تعامله مع قضية المرأة منذ الوهلة الأولى "استراتيجية الحذر"، هذا ما تنبه إليه "زرادشت" (Zarathoustra) مسبقا: "لا ينبغي الحديث عن المرأة إلا الرجال"[1]، و مع ذلك نجده في الكثير من شذارته قد خاطبهن و تكلم معهن، و لعل "لو أندريا سالومي" (Lou Andreas-Salomé)، و "مالفيدا فون مايزنبغ" (Malwida Von Meysenbug)، أمثلة صريحة عن حوار "نيتشه" و المرأة مباشرة. و ربما هي رهافته التي تجعل الكلام عن المرأة أمرا لا يدور إلا بين الرجال فحسب. من هنا لا ينبغي أن تفهم معالجة "نيتشه" "لقضية المرأة" على أنها تحمل ضدها مواقف عنيفة فحسب، بل علينا أن نميز لهجة بعض الشذرات الأخرى التي تعكس بعض الطموح المنتظر منها. و بهذا تكشف جينيالوجيا المرأة بالنسبة إلى "نيتشه"، أن النقد الموجه إليها، ليس بنقد عقيم، و إذا كان الأمر كذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو البديل الذي يقدمه "نيتشه" للمرأة حتى تنفلت مما عليه، و تنتقل إلى مقام آخر، تستطيع فيه أن تحقق في ذاتها (En Soi) مكانة أفضل من تلك التي تجعلها مجرد وسيلة لا غاية على حد تعبير "نيتشه"؟
---------------------------
[1] Nietzsche (F), ansi parlait Zarathoustra, in Nietzsche, Friedrich oeuvres, trad.Henri Albert, et Robert Laffont, 1993, « Des Femmes vielles et jeunes, p 333.
- التفاصيل
- كتب بواسطة: مسير الموقع
- انشأ بتاريخ: 31 جويلية 2022