
استراتيجية الاعلام السياحي كبديل جديد للتنمية السياحية في الجزائر
المؤلف : د.بن قدور حورية
المؤسسة: جامعة بسكرة
للإتصال بالمؤلف : عنوان البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
مخبر البحث : الأنساق، البنيات، النماذج والممارسات، جامعة وهران2
تصنف الجزائر ضمن الدول التي تعتمد في مداخيلها على النفط والغاز بنسبة كبيرة وغير عقلانية تتجاوز التسعين بالمائة، بالرغم من أنها بلد يمتلك مصادر عديدة يمكن استغلالها والاستفادة من مداخيلها والحد من الاعتماد الكلي على الغاز والنفط. ولعل أهم هذه المصادر هي السياحة، ذلك أن الجزائر تتفرد بمقومات طبيعية (البحر الأبيض المتوسط، الصحراء، التلال، الهضبات وغيرها من المعالم الطبيعية المنتشرة بالبلد) وحضارية (قصور لحضارات مرت بالمنطقة، أهرامات، عمران عربي وأمازيغي واسلامي وأوروبي، وغيرها من معالم شيدتها أيادي البشر)، كل هذه المميزات تجعل من الجزائر بلد سياحي بامتياز وأكثر جذبا للسياح لما تحويه من تنوع يسمح بوجود فعلي للسياحة.
بالإضافة إلى أن الجزائر بلد يمتلك مواقع وآثار سياحية، "ينظر إلى الجزائر على أنها تملك الكثير من المواقع والآثار التي تؤهلها لمكانة سياحية مرموقة"[1]، إلا أن حصة الجزائر من سوق السياحة العالمية لا زالت ضئيلة جدا، فاستنادا إلى احصائيات المنظمة العالمية للسياحة، فإن القطاع السياحي في الجزائر يحتل مراتب متأخرة مقارنة بإمكاناته الكبيرة وبجيرانها العرب، والسبب متعدد وراجع لعدة ظروف وسياسات لا تمتلك استراتيجية سياحية اقتصادية ناجحة.
الاعلام السياحي: الماهية والمفهوم:
نظرا لمساهمته في التنشئة الاجتماعية والثقافية وبناء الدول وتعزيز الحوار والتعايش بين الدول، يتزايد دور الاعلام في المجتمعات، حيث يعمل على تثقيف وتوعية المجتمع وحتى على توجيهه وتشكيل الرأي العام فيه، "كما يؤذي دورا استراتيجيا في التنمية المستدامة لمختلف المجالات والقطاعات، فيعكس الاعلام القوى السياسية والاقتصادية، والتي تمثل الحدود التي يحدث فيها التفاعل، فالبيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية تحدد ملامح وسائل الاتصال الجماهيري"[2].
ومن هنا فالإعلام السياحي أداة بالغة الأهمية في التحفيز على السياحة الوطنية والدولية وتنميتها، والتوعية بأهميتها، والتعريف بالفرص الاستثمارية الواعدة التي تشملها، والتأكيد على جدوى السياحة في تنويع مصادر الاقتصاد الوطني، وتوفير فرص العمل للعاملين بهذا المجال وللمواطنين، وتحسين الاوضاع المعيشية للمجتمعات المحلية في المناطق، وإبراز مقومات السياحة الجزائرية الغنية بتنوعها، من حيث المواقع الطبيعية والآثار التاريخية، والتراث العمراني، والصناعة التقليدية، والمعالم الثقافية والثروات الحضارية والموارد البيئية والطبيعية، وحتى الوسائل الترفيهية والفنية وغيرها من المقومات التي تجعل من الجزائر وجهة سياحية (داخلية وخارجية) على مدار العام.
وبهذا يكون الاعلام بمثابة قناعات جديدة تلغي تلك الصورة الذهنية القائمة على السياحة، واستبدالها برؤية أخرى تضعها في مكانها اللائق وبالتالي نصبح مجبرين على الاستفادة من هذا القطاع. وبتعبير أدق هو أحد أشكال الاعلام الحديث أو جزء منه، يأخذ على عاتقه الأمور السياحية وقضايا السياحة، من أجل تنمية وتطوير الجوانب المعرفية والتوعوية لدى الجمهور في هذا المجال، باستعمال كل الوسائل الاعلامية والممارسات الاتصالية.
كما يلعب الاعلام السياحي دورا هاما في تحقيق أهداف الاستراتيجية العامة للتنمية السياحية، فهو نشاط متكامل يستفيد من كل وسائل الاعلام والاتصال الحديثة، فيتضمن الانشطة الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية، بالإضافة إلى انتاج المطبوعات المتخصصة في السياحة والتراث، والأفلام الوثائقية التي تتناول المواقع السياحية والتاريخية.
أهداف استراتيجية الاعلام السياحي:
من واجبات الاعلام السياحي، هو أنه يجعل من المواطن الجزائري على وعي ودراية بأهمية صناعة السياحة، وأثرها على مسارات التنمية المجتمعية في كل القطاعات، ويجب أيضا أن يمتلك القدرة على الكشف عن المقومات السياحية المختلفة والمتنوعة التي تتوافر عليها الجزائر.
ومن أهدافه أيضا نشر الوعي السياحي، والذي يمكن أن نعرفه كالتالي: "اكتساب الفرد للمعارف والمعلومات والمفاهيم والمهارات والاتجاهات والقيم، لكي يسلك الفرد سلوكا سياحيا رشيدا نحو المظاهر السياحية، وكذلك العمليات اللازمة للتخطيط والتنظيم والتعامل مع المؤسسات والأماكن السياحية والسياح"[3]، وهو أيضا من المفاهيم الحديثة التي تناولتها الدراسات المتخصصة في المجال السياحي والثقافي لدى المجتمعات العربية، عكس المجتمعات الغربية التي تهتم وتعمل به، وخاصة المؤسسات والهيئات التي تعتبره مصدر صناعة السياحة وأسلوب جدي وفعال في ترسيخ أهمية تلك الصناعة وتشجيع الحركة السياحية.
يجب على الاستراتيجية أن تتبع سياسة ترويجية فعالة من أجل إنجاح الهدف، بحيث يتعين على الجزائر وقصد التعريف بتراثها السياحي وقدراتها في هذا المجال، أن تتبع سياسة الاعلام السياحي الترويجي والتسويقي، والذي يسمح بإيصال أفضل صورة للجمهور المستهدف، وهذا يتوفر من خلال استغلال جميع فضاءات الاتصال والاعلام، وكذا المشاركة في الفعاليات والتظاهرات الثقافية والمعارض والمهرجانات الدولية للتعريف بالتراث والارث السياحي الجزائري.
لذلك "تعد تربية العقلية الاجتماعية شرطا أساسيا لنجاح مخططات التنمية السياحية، فطالما ان السياحة فلسفة اجتماعية تتطور مع التقدم العلمي والعقلي، فإن توعية المواطن هي أكبر رصيد في أية عملية لإنماء السياحة وتطويرها، وفي الوقت نفسه مشتركة بين المنزل، والمدرسة، والمجتمع، ومرتبطة بإدراك المسؤولين والمواطنين لأهميتها باعتبارها تنمي الشعور عند المواطنين لكونها عاملا مهما في تكوين مفاهيمهم وتصرفاتهم"[4].
أهمية وسائل الإعلام السياحي في التعريف بالتراث الثقافي الجزائري:
لا شك أن تبني وتطبيق الاعلام السياحي أصبح من متطلبات السياحة في هذا العصر، وهذا يعني وجود تفوق ونجاح الخطط الاستراتيجية الموضوعة للنهوض بالسياحة وكل المجالات والقطاعات المتداخلة معها، في حين ترى هناء حامد زهران أن أهمية الاعلام السياحي" تتجسد في تحقيق التوعية السياحية، إذ يعد ذلك من معيقات التنمية السياحية"[5].
يمكن في الأخير الإشارة إلى أبعاد الإعلام السياحي التالية:
الأبعاد البيئية: وتشمل التعريف بمقومات السياحة البيئية وإبراز الوجه الحضاري والتراثي للمناطق الداخلية للبلاد، والأهم هو التوجيه الايجابي للتعامل مع البيئة في تلك المناطق السياحية.
الأبعاد الاجتماعية: يعمل الاعلام السياحي على تهيئة السكان الأصليين على تقبل الصناعة السياحية وتعزيز احترام المواطنين للسياح وحسن استضافتهم.
الأبعاد الاقتصادية: يقوم الإعلام السياحي بعرض الفرص الاستثمارية الماحة في المجالات المختلفة لصناعة السياحة، ويعرض أيضا الوظائف التي من شأنها التقليل من البطالة ومنح فرص العمل للعاطلين.
الأبعاد الثقافية: العمل على دعم التفاعل والتعايش الثقافي، والتعريف الحقيقي بالتراث الثقافي المادي وغير المادي للبلاد، من خلال برامج وحصص إعلامية تهتم بعرض هذه الثقافة بطرق عصرية وتكنولوجية متطورة تسمح بالاطلاع السهل عليها، والعمل على تشجيع المواطنين على الحفاظ على الفنون والصناعات والحرف التقليدية الجزائرية.
----------------------------------
[1] جميل نسيمة، الانفتاح على الاعلام السياحي، مجلة التدوين، العدد الثامن، ديسمبر 2016، جامعة وهران، ص 147.
[2] جميل نسيمة، الانفتاح على الاعلام السياحي، مجلة التدوين، العدد الثامن، ديسمبر 2016، جامعة وهران، ص 148.
[3] محمد منير الحجاب، الاعلام السياحي، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة، 2003، ص 71.
[4] مصطفى عبد القادر، دور الإعلام في التسويق السياحي، راسة مقارنة، المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع، بيروت، 2003، ص 197.
[5] هناء حامد زهران، الثقافة السياحية وبرامج تنميتها، عالم الكتاب، القاهرة، 2004، ص 24.
- التفاصيل
- كتب بواسطة: مسير الموقع
- انشأ بتاريخ: 23 سبتمبر 2020