
بختي بن عودة الصديق الذي لم ننقذه...
المؤلف : الأستاذ بودومة عبد القادر
المؤسسة: شعبة العلوم الإنسانية، جامعة تلمسان
للإتصال بالمؤلف : عنوان البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
مخبر البحث :الفينومينولوجيا وتطبيقاتهابجامعة تلمسان
" إن المثقف الجذري يحمل اختلافه الجذري و سؤاله المعرفي المدمر "
لا يملك جواز سفر " قد يجد نفسه يشتغل في حقل في بستان .. و قد يقتل"
بختي بن عودة
هل بإمكاننا الانفلات من الموت؟ أو التفكير في معجزة تنقذنا من الموت؟ و تجعلنا من الأوائل الذين تمكنوا من قهر الموت؟ هل يجب علينا أن نموت؟ أسئلة يؤرقها السير نحو الانهيار و السقوط .انهيار يرتبط بمهنة السؤال و محنة الكتابة . وحدها الكتابة قادرة على إنقاذنا من الموت، لكونها القادرة على أن تجعنا نخلد إلى الأبد. فبين الصراع و المقاومة و عبر الفن و الأثر يبدأ الموت ينهش أجسادنا : إنه لأمر غريب كيف أن المفكرين الكبار يتوفرون في أن معا على حياة شخصية هشة ، و صحة متضعضعة في الوقت الذي يحملون فيه الحياة إلى حالة القوة المطلقة ، و الصحة الفائقة " . مع مثل هكذا شخصيات يصبح الموت و الكتابة وجها واحدا . لكن قد يدمر الموت الأثر و يفجره لحظة عدم القدرة على إنقاذ الأخر، ذلك الذي جمعتنا به ذات يوم علاقة.و ستجمعنا به على المدى الأزلي.إنقاذ الصديق، الحبيب إنقاذ من التقينا بهم. و لأننا لم نتمكن من بلوغ لحظة الإنقاذ فضلنا الموت و التعجيل بها عبر الكتابة: لا نكتب إلا بفضل الحب ، و كل كتابة هي رسالة حب ، ربما لا يجب الموت إلا بواسطة الحب. بيني و بينه ، بينه و بيني ، ال"بين" بين .يحيا كل منهما في طيات الأخر . إنه يحيا عوالم الصمت حقا لا يمكنني مشاركة إقامته الأبدية الى حين .لكن مكنتني الكتابة من الإقامة بالقرب منه لقاء يرفض التأسيس للتعرف على تقاليد الدعوة و الاستدعاء.
يا لعظمة الموت إن مثل هذا الإجلال و التهليل لا نعرفه إلا لحظة السير نحو الأثر. أثر الآخر الذي يعكس في رمسه الحياة الأخر الذي افتقدناه ، و عبر ما تركه من كتابة محمولة بالمعرفة و الكثافة الأنطولوجية . لا يمكننا إقامة أية علاقة حب أو صداقة إلا مع آخر . لا يزال فراقه مؤجلا فهو مجدنا الوحيد و مجده نشيد التسامح و البراءة و سماحة الوجه.كل هذا له القدرة على تدمير الموت بعد فوات الأوان . بعد الغياب و الرحيل . لم ألتقي به لكنني تعرفت عليه من دون شروط التي قد يلزمنا بها اللقاء. رأيته أبصرته، لم أكلمه.تابعت حركاته، كلامه. لم أفهم جيدا ماذا كان يقول، لحظتها حدث اللقاء. ربما كان من الضروري أن نلتقي في عتمة الكلام و غموضه. عبر هذا الغياب حصل العبور الذاتي تواصل عن قرب ربما كان ذلك بقطار الجامعة –السانيا- أو احد الملتقيات التي نظمها معهد الفلسفة سنة 1991-1992أو ربما في اليوم الدراسي اليوم الذي نظمه و لأول مرة حول فلسفة "جاك دريدا" في لقاء " غدا التفكيكية" 14-07-1994
لقد أدرك "بختي بن عودة " و بوعي أن ساعة الموت لا تحدد بقرار و لا بمرسوم . لأنه و على خلاف بعض الكتاب كان يرفض الكتابة عن سيرته الذاتية . بل كان يؤلمه ما ألت إليه أوضاع البلاد من كارثة و انحطاط ، ألم بالمجتمع الجزائري عبر إستراتيجية التتفيه و التسطيح الثقافيين ، و هيمنة الامتثالية و التقديس الموت و رفض الحياة و التعجيل بتدميرها بالإضافة إلى الانحطاط المعيشي و الوجودي.ما قيمة الكتابة بعيدا عن معاناة المجتمع الذي ننتمي إليه؟ .إن الذين يموتون يصنعون حيلة خبيثة نحو الأحياء يتوارون تاركين لهؤلاء مهمة تفسير فكرهم . أي أن يتجادلوا حول ما قالوه ، و ما كان ممكنا أن يقولوه ، و ما كان عليهم أن يقولوه ، بل و حول ما لم يقولوه أيضا .
الحق أن كتابات بن عودة العديدة و المختلفة لا تنتمي إلى السؤال التصنيفي المبتذل، لان الكتابة عنده تزاوج بين الأدب و الفلسفة. و السؤال لات ينبغي أن يقف عند حدود الانتقائية و التصنيفية أو الانتمائية بقدر ما يتعلق بنا نحن.كل الأسئلة ينبغي أن توجه إلينا ، تلك المرتبطة بأولئك الذين فأرقون و غادروا الأماكن التي لا زالت قائمة تشهد على مرورهم على عبورهم و على مكوثهم أيضا. إنها اللحظة التي تمدد الحداد جاعلة منه مستحيلا.و ليس أبدا في التهافت على كتابات الغير سوى تفسخ معلن. و هدر لكتابة جديدة التي يتحملها النقد الجديد و الذي حاول بن عودة رسم ملامحه الأولى عبر قراءته التحليلية لظاهرة الكتابة عند ألخطيبي. لقد احترق" بن عودة" بلهيب الكتابة. ومن يحترق بنار الكتابة هو الناعم برضي الإله.
لقد تميزت الكتابة بالنسبة إلى بن عودة بقوانين منسقة و منتمية إلى إيقاع سقوط الجسد الأول و إلى اللغة التي تسكنه من الداخل جاعلة منه يعبر عم يوجد بداخله هذا من الخارج إنها ليست مجرد رسم على البياض و إنما هي انعكاس لأفق قدرة الإنسان . و بتناوله للكتابة كظاهرة أكد على أنها من سلطة جذرية ضمن النص و خارجه. لقد كتب بن عودة في كل ما كتبه ليكون شاهدا على الصراع و على توزيع ثقافة الحقد و الكراهية التي عمت المجتمع الجزائري.و تقتات كتاباته من الحقائق الداخلية .يقول كل شيء هو موجود بالداخل لأنه أحس ذات يوم انه ليس حر ، كان لا يزال يفضل العيش على ذاكرة الكلمات يفتح بها السر الأبدي سر اللحد . يكتب لينعي وفاته، . لأنه يعلم أن المستقبل لن يأتيه إلا من لدن الشخص المنعي ، أن نعتبر أنفسنا أمواتا هي لخطة بدء الكتابة و في اللحظة عينها ندرك بوعي الحياة .الموت مستقبل البشرية هكذا أنشد ذات مرة "هيدغر" نشيد الموت .إذ بقدر ما يخرق الموت كياننا يكون الوعي شديد الإيضاح. إنه الحداد المستحيل كان بختي بن عودة" يتكفل على الدوام بمراقبة عدم النسيان ، هكذا كتب ذات يوم و هو ينعي صديقه "عمار بلحسن" ( من أبرز الأسماء التي اشتغلت كتابة على القصة القصيرة أستاذ سوسيولوجيا الأدب بجامعة وهران وافته المنية بعد مرض الم به و عان منه شديد المعاناة في جوان 1993) في الأبدية المرتجة ،و لأجل ترويض العيب عن النسيان: مارس 1984 كان التعارف بالعاصمة ، خضرت معي عبارة قالها و هو يحيا حرقة على ما أل إليه الوضع الثقافي و الاجتماعي للوطن . هذا الوطن المؤسس على "فانتازيا السياسوية"، لن تقم له قائمة ما دام التاريخ هو المشرع أي هو الأب الذي لم نتعلم قتله بعد.. لكن بعد ساعة قتله يكون قد فات الأوان لان صاخب الفكرة مات ، عمار مات ، و بن عودة مات ، و أنا مت قبل الأوان تلكم هي عوالم الأبدية . متنا و لم يمت الفعل ، و لعل لخطة الانتظار تكون الوحيدة الكفيلة بتحقيق الفعل و بأن تجيب عن مثل هكذا هواجس . هواجس جميلة للذة الكلام .
- التفاصيل
- كتب بواسطة: مسير الموقع
- انشأ بتاريخ: 22 ماي 2021