
المرفق العام بين مطرقة الجائحة وسندان الخدمة
لمؤلف : د.الزين عبد الحق
المؤسسة: قسم الفلسفة،( مشروع :فلسفة الفن، التراث والمهن الثقافية)، جامعة وهران2
للإتصال بالمؤلف : عنوان البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
مخبر البحث : الأنساق، البنيات، النماذج والممارسات، جامعة وهران2
تظل وظائف الإدارة ومهامها و نشاطها مرهون بخدمة الجمهور، وإلا لما عمدت السلطة العامة إلى تزويد الإدارة بالجانب البشري الجانب المادي وإحاطتها بنسيج من النصوص القانونية بما يساعدها على القيام بمهمتها، ويتخذ النشاط الإداري مظهرين أو صورتين هما: صورة الضبط الإداري، وهو مجموعة من الإجراءات والأوامر والقرارات التي تتخذها السلطة المختصة للمحافظة على النظام العام بمدلولاته الثلاثة(الأمن، الصحة، السكينة) وصورة المرفق العام، الذي يعد المظهر الإيجابي لنشاط الإدارة، تتولاه الإدارة بنفسها، أو بالاشتراك مع الأفراد، وتسعى من خلاله إلى إشباع الحاجات العامة وتعد فكرة المرافق العامة من أهم موضوعات القانون الإداري، وترد إليها معظم النظريات والمبادئ التي ابتدعها القضاء الإداري كالعقود الإدارية والأموال العامة والوظيفة العامة. ومن خلال هذا المقال نحاول التعرف على المرفق العام و خدماته خصوصا في ظل جائحة كورونا كوفيد 19 وكيف قوضت هذه الأخيرة مظاهر الحياة العامة للناس؟
يقصد بالمرفق العام حسب المعيار العضوي أو الشكلي، الهيكل أو الهيئة أو المؤسسة أو التنظيم المتكون من مجموعة من الأشخاص والأموال والأشياء، الذي ينشأ ويؤسس لإنجاز مهمة عامة معينة، مثل الجامعة، المستشفى ووحدات وأجهزة الإدارة العامة بشكل عام.
كذلك من التعاريف التي تركز على الجانب الشكلي نجد تعريف الأستاذ محمود حافظ بقوله "المرفق العام هو منظمة عامة من السلطات والاختصاصات التي تكفل القيام بخدمة معينة تسديها للجمهور على نحو منظم ومطرد".[1]
والملاحظ أن المعيار العضوي يعتبر المرفق العام جهاز يرتبط بالإدارة العامة ويتمتع بأساليب السلطة العامة.
ذهب أنصار هذا المعيار إلى تعريف المرفق العام، على أنه المؤسسة التي تديرها الإدارة بهدف تحقيق النفع العام. فهو إذن كل هيئة عامة تنشئها الدولة، وتخضعها لإدارتها بقصد إشباع حاجة عامة بصفة منتظمة.
ويقصد بالمرفق العام حسب المعيار الموضوعي الوظيفي المادي، النشاط أو الوظيفة أو الخدمة التي تلبي حاجيات عامة للمواطنين، مثل التعليم العام، الرعاية الصحية، البريد والمواصلات، بغض النظر عن الجهة أو الهيئة القائمة به[2].
وعلى هذا الأساس المعيار المادي يعرف المرفق العام انطلاقا من فكرة النشاط بخلاف المعيار العضوي الذي يعرفه انطلاقا من فكرة المؤسسة، أما المعنى الموضوعي فيتعلق بالنشاط الصادر عن الإدارة بهدف إشباع حاجات عامة والذي يخضع لتنظيم وإشراف ورقابة الدولة، وهو أيضًا كل نشاط يهدف إلى إشباع المصلحة العامة فهو يختلف عن النشاط الخاص لأن هذا الأخير تحركه الأرباح.
ومن أهم التعاريف التي تركز على الجانب المادي للمرفق العام تعريف دوجي، الذي يعرف المرفق العام بأنه: "كل نشاط يجب ان يكفله و ينظمه ويتولاه الحكام لان الإ طلاع بهذا النشاط لا غنى عنه لتحقيق التضامن الإ جتماعي لا يمكن تحقيقه على أكمل وجه إلا عن طريق تدخل السلطة الحاكمة"[3].
المرفق العام بين الازمة والخدمة
يتضح لنا من التعاريف السابقة أن هناك ثلاثة عناصر يجب توافرها حتى يكتسب المشروع صفة المرفق العام ويعود العنصر الأول إلى الهدف الموكل إلى المرفق العام الذي يقوم بالنشاط والثاني ارتباط المشروع بالإدارة ورقابتها لسير العمل فيه، وأخيرا استخدام امتيازات السلطة العامة.
1- عنصر الهدف
المرفق العام هو مشروع عام، والمشروع هو عبارة عن نشاط منظم ومتناسق تمارسه مجموعة بشرية قيادية وتوجيهية وإدارية وتنفيذية، بوسائل مادية وفنية وقانونية لتحقيق غرض محدد.
لابد أن يكون كذلك الغرض من المرفق العام تحقيق المنفعة العامة وإشباع حاجات الأفراد أو تقديم خدمة عامة، وهذه الحاجات أو الخدمات قد تكون مادية كمد الأفراد بالمياه والكهرباء أو معنوية كتوفير الأمن والعدل للمواطنين.
ومع ذلك فإن تحقيق بعض المرافق العامة للربح لا يعني حتما ، افتقادها صفة المرفق العام، طالما أن هدفها الرئيس ليس تحقيق الربح، وإنما تحقيق النفع العام كما أن تحصيل بعض المرافق لعوائد مالية لقاء تقديمها الخدمات إلى المواطنين، كما هو الحال بالنسبة لمرفق الكهرباء والقضاء لا يسعى لكسب عوائد مالية بقدر ما يعد وسيلة لتوزيع الأعباء العامة على كل المواطنين.
وعليه فإن هدف المنفعة العامة التي اعترف القضاء الإداري به عنصرًا من عناصر المرفق العام لا يمكن تحديده بدقة، فهذا الهدف قابل للتطوير، ويتوقف على تقدير القاضي إلى حد كبير،و في هذا السبيل ذهب جانب من الفقه ان المشروعات الي تنشأها الدولة تعتبر مرافق عامة لأن تستهدف تحقيق وجه من وجوه النفع العام الذي عجز الأفراد وأشخاص النشاط الخاص عن القيام بها، أو لا يستطيعون القيام بها على أكمل وجه[4].
ويترتب على ذلك أن المرافق العامة إنما تقوم بتقديم خدماتها أصلاً بصورة مجانية رغم ما قد تفرض من رسوم لا ترقى أبدًا إلى مستوى سعر تكلفة الخدمة المقدمة، مثل رسوم الاستفادة من خدمات المستشفيات العامة،[5] لكن مع أزمة كورونا جعلت الادارة تسيير المرفق العام من خلال استغلال الفضاءات العامة والخاصة من أجل مجابهة الوباء فقد اضظرت الى غلق جزء معتبر من هذه المرافق كالجامعات والمدارسو المطارات وبعض المؤسسات كاجراء احترازي لمنع تفشي الفيروس ،هذا الاجراء جعل المرفق العام يتوقف عن هدفه الاساسي الا وهو تقديم الخدمة العمومية واشباع رغبات الجمهور
2- عنصر الإدارة
تقوم الدولة بإنشاء المرافق العامة ويجب أن يكون نشاط المرفق العام منظمًا من جانب الإدارة وموضوعًا تحت إشرافها ورقابتها، وخاضعًا لتوجيهها لضمان عدم انحرافه عن المصلحة العامة لحساب المصالح الخاصة[6].
وعليه لا يكفي لاكتساب صفة المرفق العام على منظمة إدارية ما أن يستهدف هذا المشروع تحقيق المنفعة العامة، بل لابد بالإضافة إلى ذلك ان يكون المشروع مرتبط ارتباطًا عضويا ومصيريا ووظيفيا بالدولة وبالإدارة العامة، وفكرة ارتباط المرفق العام بالدولة و الإدارة أي بالسلطة العامة في الدولة أمر منطقي باعتبار أن المرفق العام هو أداة الدولة لتحقيق وظيفة المصلحة العامة عن طريق إشباع الحاجات العامة في الدولة بانتظام واطراد وبكفاية وفي نطاق مبدأ تكافؤ الفرص.[7]
ويترتب على ارتباط المرفق العام بالإدارة، خضوع المرفق العالم للسلطات العامة المختصة في الدولة من حيث الإنشاء والإدارة والتسيير والرقابة والإشراف، وهذا ما يزيد في تحديد المرفق العام ويميزه عن المشروعات الخاصة.
وإذا عهدت الإدارة إلى أحد الأشخاص المعنوية العامة بإدارة المرفق فإن هذا لا يعني تخليها عن ممارسة رقابتها وإشرافها عليه من حيث تحقيقه للمصلحة العامة وإشباع الحاجات العامة للأفراد.[8]ونلاحظ خلال أزمة كورونا كيف تخلت الادارة عن مركزية القرار ومنحت الولاة الجمهورية في اتخاذ قرارت دون الرجوع الى الهيئات العليا وذلك تبعا لتطور الحالة الوبائية لكل ولاية نفس الامر انسحب على رؤوساء الدوائر والبلديات حيث تم منحهم صلاحيات اكثر لاتخاذ القرارات المناسبة كل في نطاق اقليمه لا ستصدار قرارت تخص نشاطات المرفق العام وكل ذلك في اطار مواجهة الوباء.
3 -وجود امتيازات السلطة العامة
يلزم لقيام المرافق العامة أن تتمتع الجهة المكلفة بإدارة المرفق العام بامتيازات غير مألوفة في القانون الخاص تلائم الطبيعة الخاصة للنظام القانوني الذي يحكم المرافق العامة.
غير أن هذا الشرط مختلف فيه بين الفقهاء على اعتبار أن التطورات الاقتصادية صناعية وتجارية يخضع في الجانب الأكبر من نشاطها إلى أحكام القانون الخاص كما أن خضوع المرفق العام هو مجرد نتيجة لثبوت الصفة العامة للمرفق، ومن غير المنطقي أن تعرف الفكرة بنتائجها[9].
والمقصود بالنظام القانوني الخاص والاستثنائي الذي يحكم المرفق العام هو مجموعة الأحكام والقواعد والمبادئ القانونية التي تختلف اختلافًا جذريا عن قواعد القانون الخاصة بصفة عامة وعن قواعد النظام القانوني الذي يحكم المشروعات الخاصة بصفة خاصة.
مادامت فكرة المرفق العام قد لعبت وتلعب دورًا أساسيًا وحيويا في تأسيس وجود القانون الإداري كقانون مستقل عن قواعد القانون الخاص ومختلف عنه جوهريا وما دامت فكرة المرفق العام هي وسيلة وأداة السلطة العامة في الدولة إذن يخضع المرفق العام لنظام قانوني خاص واستثنائي ليتلاءم وينطبق عليه في إنشائه وتنظيمه وتسييره وإلغائه وفي الرقابة عليه[10]. وهذا ما يلاحظ عليه اثناء الجائحة بحيث أصبحت كل القوانين تحت الأوامر الرئاسية والتنفيذية للحكومة لكونها تسيير مرحلة استثنائية فجائية مفروضة علينا ،فهنا تحققت امتيازات السلطة العامة من خلال فرض التزامات على النشاط العام والخاص من خلال تطبيق قوانين علقت من خلالها التشريع المعمول به في مجال تسيير المرفق العام .
ختاما ظل المرفق العام محل أزمة فمن جهة يحاول مجابهة الأزمة الوبائية ومن جهة أخرى تقديم حد أدنى من الخدمة المنوط القيام بها في سبيل إشباع رغبات الجمهور ،وليست هذه المرة الأولى التي يقع فيها المرفق العام في أزمة فقد أصبح رهينة لتجاذبات صعبة تقف ورائها الأزمات القديمة والتحديات الجديدة ، على حد سواء وذلك بسبب اتساع مجال استعمالات المرفق العام فالمصلحة العامة لم تعد حكرا على الوظيفة الادارية فقط بل حتى المؤسسات التي تسيرها الدولة و تكون غايتها تجارية كالمؤسسات الاقتصادية و حتى الوظائف التي يمارسها الاشخاص العاديون، والسؤال الذي يطرح نفسه من جديد هو كيف نرتقي بخدمة و اشباع الحاجيات العامة للجمهور و نضمن استمرارية تقديم هذه الخدمة في ظل التحديات التي يواجها المرفق العام .
---------------------
[1] عمار بوضياف ،الوجيز في القانون الاداري ،جسور للنشر والتوزيع ،الجزائر،ط5 ،2019،ص 430.
[2] محمد الصغير بعلي، القانون الإداري (التنظيم الإداري، النشاط الإداري)، بدون طبعة دار العلوم للنشر والتوزيع ، عنابة ، الجزائر، 2004، ص206.
[3] هيام مروة ،القانون الاداري الخاص ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتورزع ،بيروت،ط 1،2003، ص7.
[4] مازن ليلو راضي، مرجع سبق ذكره، ص137
[5] محمد الصغير بعلي ، مرجع سبق ذكره ،ص 208.
[6] مازن ليلو راضي ،المرجع السابق ، ص 138.
[7] عمار عوابدي ، القانون الإداري و النشاط الإداري ج.2، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 2000 ،ص 60.
[8] مازن ليلو راضي ،مرجع سبق ذكره، ص 138.
[9] مازن ليلو راضي ،المرجع السابق ، ص 139.
[10] عمار عوابدي ، مرجع سبق ذكره ،ص 60.
- التفاصيل
- كتب بواسطة: مسير الموقع
- انشأ بتاريخ: 27 جويلية 2021