
الارشيف والذاكرة فلسفة الغائب والحاضر
المؤلف : د.شعيب حاج
المؤسسة: شعبة العلوم الانسانية، قسم علم المكتبات، جامعة سعيدة
للإتصال بالمؤلف : عنوان البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
مخبر البحث : الأنساق، البنيات، النماذج والممارسات، جامعة وهران2
تثار في الوقت الراهن مسألة الذاكرة والأرشيف بين المؤرخين من أساتذة جامعيين وباحثين في هذا المجال من مختلف ولايات الوطن، فمهما اختلفت أحكام وتصورات المختصين حسبهم حول طريقة فتح الأرشيف الجزائري بما يسمح به القانون و التسهيل لهم في الحصول على ما يحتاجونه من هاته المؤسسة العلمية ذات الرصيد الواسع من المعلومات الهامة التي من شانها أن تجسد لأسس كتابة التاريخ والذاكرة الوطنية على أحسن وجه.
إلا أن المؤرخين يتفقون على أن مسالة البحث العلمي وكتابة التاريخ والذاكرة من خلال الأرشيف قضية في غاية الأهمية ولا بد على السلطات العليا بالبلاد أن تقوم بوضع تسهيلات لهم من خلال الاطلاع على أرشيفهم بما يسمح به القانون للقيام ببحوثهم التاريخية.
و عبر مدد التاريخ تردَّدت الكلمة الدالّة على "الأرشيف" في معظم اللّغات القديمة والحديثة، ما يؤكّد أنَّ المفهوم العام للأرشيف لم يغب عن التاريخ، فمادام الاهتمام بحفظ الوثائق والمستندات قائماً، فيلزم وجود مكان خاص بذلك. والأرشيف هو خلاصة لجمع الوثائق والمكان الذي تحفظ فيه، وسائر الأعمال التي تلزم ذلك، غير أنَّ أعمال التدوين، والتسجيل، والحفظ، والتصنيف، وصيانة مأثورات الماضي، وبخاصة الكتابيَّة منها، وطرق تداولها، أكسبت مفهوم الأرشيف معنى متجدّداً ما لبث على حال واحدة. وبما أنَّ حركة التدوين والتسجيل والحفظ مستمرَّة، فسوف يتغذّى مفهوم الأرشيف ممَّا ترفده به تطوُّرات الثقافة الأرشيفيَّة، فلا يمكث على حال في وظيفته.
وبالعودة لتاريخ الارشيف يجوز اعتبار مكتبة آشوربانيبال أوَّل أرشيف معروف في التاريخ. من الصحيح أنَّه هنالك مكتبات شخصيَّة قبل ذلك؛ لكنَّ هذه المكتبة هي الأولى التي جرى تحديد وظيفتها العامَّة، وهي الحفاظ على الموروث الثقافي والتاريخي والديني لبلاد الرّافدين من شمالها إلى جنوبها، بما في ذلك ثبت الملوك القدامى في بلاد الرّافدين، وقد خُصّص للقيام بذلك عدد وافر من النسَّاخ والكتَّاب تولّوا تدوين كلّ ذلك في مئات آلاف الألواح الطينيَّة المشويَّة بالنار، وفيها حفظ التراث السومري والبابلي والآشوري. وإذا كان الأرشيف الحديث هو المكان الخاص بحفظ السِّجلات والوثائق، فسيكون الوسيط بين الثقافات حينما يدرج نفسه في تيار الإرسال والاستقبال العابر للّغات. وكان آشوربانيبال "مدركاً تماماً للرّابطة بين الحاكم والكلمة المكتوبة"، فقد عُثر على لوح يحمل تعريفاً به بأنَّه "ملك العالم"، وقد وهبته الآلهة نفاذ البصيرة، ومنحه نبو، إله الكتابة، الحكمة، فكتبها على الألواح وجمعها ورتّبها متدرّجة، من أجل أن يسهل له قراءتها، واحتفظ بها في قصر"، وبعمله العظيم وفّر آشوربانيبال فرصة نادرة لمن جاء بعده في معرفة تاريخ بلاد الرّافدين، وبذلك جرى ربط وظيفة الأرشيف بالهويَّة.[1]
وعليه من الضروري ربط دلالة الأرشيف بوظيفته الحقيقيَّة، وهي الحفاظ على الذاكرة الجماعيَّة وتزويدها بما تحتاج إليه، وبغير ذلك يصبح الأرشيف عبئاً لا فائدة منه، فقد أطلقت كلمة "الأرشيف" على الوثائق المحفوظة بسبب قيمتها التاريخيَّة، ، وبذلك يؤسّس الأرشيف وعياً أصيلاً لدى الشعوب ببدايات الأفكار والظواهر، وبتطُّوراتها عبر الزمن، وعلى هذا فقد ذهب "دريدا" إلى أنَّ كلمة أرشيف تحيل على معنى البدء، ولها صلة بمبدأ الأشياء، ويكون البدء مرتبطاً إمَّا على وفق الطبيعة أو على وفق التاريخ، وبذلك فهو يشير إلى الأصل، ويحيل الجذر اليوناني لكلمة (أرخيون Arkheion) على البيت المعلوم أو المسكن المعروف، وبمرور الوقت صار يدلُّ على مستودع الوثائق والسجلّات، وما لبث أن تطوَّر المفهوم فصار يحيل على السجلّات الرّسميَّة، أي ما أمسى يُعرف بـ"الأرشيف العمومي"
وهنا يبرز سؤال الهويَّة بأساليب تخيّل المجتمعات لنفسها، وترسيخ مفهوم الانتماء الاجتماعي، وفي كلّ ما له صلة بالهويَّة الجماعيَّة، فإنَّ مبادئ الوحدة والاستمراريَّة تحتلّ موقع الصدارة، لأنَّها ترمي إلى تحقيق الكمال والتماسك؛ فما الهويَّة سوى تصوُّر الجماعة لنفسها بوصفها كياناً منسجماً ومتجانساً، وباعتبارها أمَّة ذات جوهر مشترك، وتغلب القول بوجود عائلة قوميَّة لها جسد واحد ودم واحد ووطن حاضن لها، ونتج عن ذلك أنَّ الجماعة تريد الحفاظ على ثقافتها وتراثها وذكرياتها وقيمها وطباعها، فضلاً عن فرادتها عبر الزمن، وهي لا تعترف بالتغيير وتنكره، وبذلك تضيف قيمة إيجابيَّة على الاستمراريَّة بين الأجيال والقوَّة الأخلاقيَّة للتراث، وبذلك يصحّ القول إنَّ هذا الهدف يتحقّق بصون الأرشيف العام الحافظ للذكريات المشتركة من دون السماح بالانغلاق والانطواء.
ان ديمومة الحفاظ على الارشيف اصبحت اليوم واجبا اخلاقيا وطنيا قبل ان يكون مبني على مهنة وفقط .لان الاجيال القادمة لن تسمح لنا بضياع ذاكرتها وفق هوياتنا المبعثرة التي لطالما بحثنا عنها بين ثنايا اوراق اصبحت تعرف بالارشيف من دون اطلاع ولا محاسبة ذواتنا في تمرير رسالة الى ابناءنا مفادها هويتنا تبدا من معرفتنا بتاريخنا وذاكرتنا تعتبر غائبا مالم نحضرها في صحن فلسفة الاهتمام بالارشيف التاريخي والعلمي على حد سواء.
[1] https://www.mominoun.com/articles/%D8
الأرشيف الكوني الأرشيف، الذاكرة، والهويَّة.عبد الله ابراهيم 27/09/2020
- التفاصيل
- كتب بواسطة: مسير الموقع
- انشأ بتاريخ: 30 سبتمبر 2020