
جودة الحياة من منظور القرآن الكريم
المؤلف: د.محمد محمود كالو
الرتبة: أستاذ مشارك في التفسير وعلوم القرآن
المؤسسة: كلية العلوم الإسلامية -جامعة أديامان -تركيا
البريد الالكتروني:عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
مقدمة:
الحمد لله الجوَّاد الكريم، والصلاة والسلام على أجود ولد آدم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود من الريح المرسلة، وعلى آله وأصحابه الطاهرين المحسنين والغر المحجلين، أما بعد:
فلئن كانت الجودة هدفاً ومطلباً في المجتمع البشري منذ القدم، فإن تلك الحاجة قد تزايدت في الآونة الأخيرة، ويجهل غير المسلمين فضلاً عن بعض المسلمين أن الحضارة الإسلامية قد تميزت بتجويد العمل وإتقانه بشمول وكمال في جوانب الحياة المختلفة، وأهل الإسلام مطالبون بالعمل الجاد المتقن في كل عصر ومصر لعمارة الأرض بما يصلح حياة الناس، وإتقان العمل وتجويده يعني أن تراقب الله تعالى في سرِّك وعلانيَّتك، وأن تحاسب نفسك، وتأخذ بأسباب الإتقان والجودة، قال الله تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [هود:7] قال العلماء: أخلصه وأجوده وأصوبه.
وهناك علاقة متداخلة بين الإتقان والإحسان والجودة، فالإتقان عمل يتعلق بالمهارات التي يكتسبها الإنسان، بينما الإحسان أشمل وأعم من الإتقان لأنها قوة داخلية تتربى في ضمير المسلم وتترجم إلى مهارة عملية قوامها حسن النية، لذلك كان الإحسان من المصطلحات التي ركزت عليها الحضارة الإسلامية، قال الله تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة:195].
وهكذا نجد أن الإسلام له السبق في مبادئ الجودة؛ إلا أن مفهوم الجودة في وقتنا الحاضر أصبح ينسب إلى الفكر غير الإسلامي، لأن ظهور استعماله اقترن ببعض أسماء مفكرين اهتموا بتوضيح مفهوم الجودة وأبعاده ومضامينه، ومبادئه، وعناصره وأسسه، وكان لهم السبق في تطبيق تلك الأسس والمبادئ وتطويرها ووضع المعايير التي تقاس بها تلك الجودة، ومن هؤلاء المفكرين: إدوارد ديمنجEdward Deming ، وفليب كروسبيPhlip Crosby وآخرون.
إن الجودة والإتقان أمر تفرضه الطبيعة الإنسانية، لأن الحياة لا تسير سيراً صحيحاً وسليماً دون الإتقان والجودة والإبداع، فهي الأساس في حفظ المكتسبات والتنمية المستدامة، وأساس الرقي في سلم الكمال الحضاري.
والمسلمين مطالبون بأن يحتكموا إلى موازين ومقاييس ومعايير الجودة التي لفت إليها، أو أشار إليها، أو حددها، أو أوجبها، أو حض عليها، أو فرضها علينا ديننا الحنيف القيم الذي ندعو الناس إليه، كما أننا مطالبون بأن نتقن عبادتنا وأخلاقنا وأعمالنا، وأن نحسن في أقوالنا وأفعالنا وخطابنا وأدائنا، وأن نتميز في مواقفنا وسياساتنا وعلاقاتنا، وأن نتطور في تخطيطنا وتنظيمنا وإداراتنا، وأن نتقدم في إنتاجنا وعطائنا نحو الأفضل والأحسن والأتقن.
فما هي الجودة؟ وما هي مجالات الجودة؟ وما مفهوم الجودة في المنظور الإسلامي؟ وما أسسها ومعاييرها؟ وهل لها مرادفات في القرآن الكريم؟ هذه الأسئلة وغيرها سنجيب عنها من خلال دراستنا هذه.
وأخيراً: فإن بحثي هذا ينقسم بعد المقدمة إلى فصلين، وكل فصل يحتوي على ثلاثة مباحث، وخاتمة شاملة لأهم النتائج.
والله تعالى أسأل جودة في البحث، وإحساناً، وإتقاناً، وإحكاماً، وتوفيقاً، وسداداً، وإخلاصاً لوجهه الكريم.
أولاً: أهمية البحث
تكمن أهمية الجودة في التعرف على أصولها الشرعية في القرآن الكريم، وأن الإسلام سبق في ضمان الجودة، بل هي من صميم الدين والعقيدة، وتبرز أهميتها أيضاً في ما يلي:
- حاجة الإنسان لرفع مستوى الأداء وتحسين نوعية الخدمات.
- العمل على تحسين وتطوير إجراءات وأساليب العمل.
- تطوير المهارات وتجنب حدوث المشكلات المعيقة أثناء العمل.
- زيادة الانتاج والصادرات والأرباح.
ثانياً: أسباب اختيار البحث
- بيان أهمية الجودة في الأقوال والأفعال.
- نفع الناس بتوضيح مفهوم الجودة في الحياة.
- جمَعَ البحث بين الجانب الشرعي والإداري الذي يسيِّر حياة الناس.
ثالثاً: أهداف البحث
- التأصيل الشرعي لمصطلح الجودة، وأنها أساس الحضارة الإسلامية.
- توضيح مفهوم الجودة وما تتضمن معناها من الكلمات القرآنية.
- إرساء قواعد الجودة في الحياة العملية.
رابعاً: منهج البحث:
اتبعت المنهج الاستدلالي الذي يبنى على قواعد التأمل والاستنباط في فهم دلالات النصوص القرآنية ومعانيها.
خامساً: الدراسات السابقة
- الجودة في ضوء القرآن والسنة النبوية (دراسة موضوعية)، بحث محكم للدكتور رأفت منسي نصار، 2015م.
- ضمان الجودة الشاملة في القرآن الكريم والسنة النبوية (دراسة موضوعية تحليلية)، بحث محكم للدكتور زياد عواد أبو حماد وغيره، 2017م.
- المبادئ الأساسية للجودة في القرآن الكريم والسنة النبوية (دراسة تحليلية)، بحث محكم لقاسم نجم، 2014م.
- التأصيل القرآني لجودة التعليم، بحث محكم لسعد علي زاير، وداود عبدالسلام صبري، 2012م.
- الجودة في ضوء السنة النبوية (دراسة موضوعية)، رسالة ماجستير لعمر عودة خليل الهندي، الجامعة الإسلامية بغزة، 2017م.
- الجودة الشاملة في التعليم العام: المفهوم والمبادئ والمتطلبات (قراءة إسلامية)، لبدرية بنت صالح الميمان، بحث مقدم للقاء الرابع عشر للجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية (جستن) 2007م.
سادساً: خطة البحث:
لقد قسمت البحث بعد هذه المقدمة إلى فصلين، ويشتمل كل فصل على ثلاثة مباحث، وخاتمة شاملة لأهم النتائج، على الشكل التالي:
الفصل الأول: مفهوم الجودة
المبحث الأول: الجودة لغة واصطلاحاً.
المبحث الثاني: مفهوم الجودة في المنظور الإسلامي
المبحث الثالث: أسس الجودة وركائزها.
الفصل الثاني: الجودة في منظور القرآن الكريم.
المبحث الأول: كلمات القرآن حول مفهوم الجودة.
المبحث الثاني: أهم مبادئ الجودة في القرآن الكريم.
المبحث الثالث: أهم أنواع الجودة في القرآن الكريم.
الخاتمة وتشمل أهم النتائج.
والله أسأل التوفيق والسداد.
الفصل الأول: مفهوم الجودة
المبحث الأول: الجودة لغة واصطلاحاً.
الجودة لغة: من أجاد "أي أتى بالجيد من قول أو عمل"، وأجاد الشيء: صيره جيداً[1] والجيد: نقيض الرديء، وجاد الشيء جودّه بمعنى صار جيداً[2]
وأجاد أتى بالجيد، فالجودة مصدر من لفظ (جاد) مثل الكيفية مصدر من لفظ (كيف) وكيفية الشيء تعني حالته وصفته[3].
الجودة اصطلاحاً:
الجودة هي نتيجة الاهتمام أساساً بالكيف والنوع لا بالكم، وعلى الرغم من كثرة تداول هذا المصطلح منذ أواخر القرن العشرين نتيجة للتغيرات العالمية المعاصرة التي جعلت منه مطلباً ضرورياً في شتى الميادين؛ إلا أن مفاهيم الجودة قد تعددت وتباينت؛ فيذهب بعضهم إلى أن الجودة تعني الكفاءة، لأنها تعبر عن الفعالية، وعرفها بعضهم بأنها تحقيق رغبات وتوقعات العميل، وذلك من خلال تعاون الأفراد في جوانب العمل بالمؤسسة[4].
ويرجع هذا التباين في المفهوم إلى أن الجودة متعددة المداخل، وتختلف باختلاف الأفراد الذين يقومون بتحديده، والاستخدام والسياق المطبق لها كالصناعة، والإدارة، والتعليم، لذلك لا يمكن الإجماع على مفهوم واحد؛ إلا أنه يمكن حصر المفاهيم المختلفة للجودة في خمسة مداخل[5] تعكس مفاهيم الجودة:
- المفهوم المبني على المنتج: كسيارة الجودة، وساعة الجودة، فالجودة هنا تعد مرادفه للرفاهية والتميز وهذه من الصعب قياسها.
- المفهوم المبني على المثالية: ويعد هذا مفهوماً مطلقاً يعبر عن أعلى مستويات التفوق والكمال.
- المفهوم المبني على التصنيع: وفقاً لهذا المدخل فإن الجودة هي التوافق مع المواصفات والممارسات التصنيعية والتشغيلية والهندسية ويتم تحديدها من خلال التصميم.
- المفهوم المبني على أساس القيمة: ويعتمد على التكلفة والسعر، فالمنتج والخدمة الجيدة هي التي تحقق المواصفات بكلفة أقل.
- المفهوم المبني على الزبون: أي المتطلبات التي يرغب الزبون في ملاحظتها في السلع بما يلبي الحاجات الضمنية والظاهرية لمستخدم الخدمة.
وهذا التعريف الذي اعتمدته المنظمة العالمية للتقييس بموجب المواصفةIso 9000/2000 :p.7. حيث عرفت الجودة بأنها: "الدرجة التي تشبع الحاجات والتوقعات الظاهرية والضمنية من خلال جملة من الخصائص الرئيسة المحددة مسبقاً"[6].
ومن خلال المعنى الاصطلاحي لمصطلح الجودة نجد أنه يرتبط بالمعنى اللغوي بكافة المجالات، وبعد التحقيق في العلاقة نرى أن معانيها تدل على حسن الأداء للأقوال والأفعال وفق ما يتطلَّبه العمل وطالبه، ومن هنا يمكن تعريف الجودة بأنها: تحري الأداء الجيد المتقن، والعطاء الواسع المستمر، عند أداء أي عمل، أو التلفظ بأي قول؛ ليكون محسناً مبدعاً مجوداً وفق مراد الشارع الحكيم من غير غيب أو نقص وتشبع حاجة الطالب[7].
المبحث الثاني: مفهوم الجودة في المنظور الإسلامي
قد لا أكون مبالغاً إذا قلت إن الإسلام: عقيدة وشريعة وأخلاقاً وفلسفة للكون والإنسان والحياة، هو كمال الجودة وتمامها، ومن خلال ذلك نفهم البعد اللانهائي في قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾ [المائدة:3].
إن مفهوم الجودة مفهوم أصيل وحاضرٌ في كل تعاليم الإسلام وبكل مضامينه، وجزء من عقيدة المسلم، وهذا أهم ما يميز الجودة في المجتمع المسلم عن الآخرين، ويمثل قيمة إسلامية عالية، وهو استثمار واستفراغ لجودة الطاقات البشرية، قال الله تعالى حكاية عن بنات الرجل الصالح: ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص:26].
وقد حث القرآن الكريم على الجودة الشاملة في كل الأعمال التي يفترض أن يقوم بها الإنسان، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الكهف:7]، وقال في نفس السورة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾[الكهف:30]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [الملك:2]، وفيها إشارة جلية واضحة إلى أن الجزاء يتعلق بكيفية الأداء، وقال تعالى مخاطباً الجماعة: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة:195].
الجودة مطلب لإرضاء الله عز وجل أولاً، وإرضاء الآخرين ثانياً، ويفهم ذلك من خلال قوله عز وجل: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة:177].
ويحذر الله الناس من التساهل وعدم الإحكام والإتقان في أعمالهم فيقول: ﴿وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾[النحل:93 ]، في هذه الآية يؤكد الباري سبحانه وتعالى على وجوب الأخذ بمبدأ الجودة والإتقان الشامل؛ فكل إنسان سيسأل عن عمله لا محالة.
ومما ذكر يمكن تعريف الجودة في الإسلام بأنها: "المواصفات والخصائص المتوقعة في المنتج وفي العمليات والأنشطة التي من خلالها يتحقق رضى رب العالمين أولاً، ثم تتحقق تلك المواصفات التي تساهم في إشباع رغبات المستفيدين، وتتضمن السعر، والأمان، والتوفر، والموثوقية، والاعتمادية، وقابلية الاستعمال"[8].
المبحث الثالث: أسس الجودة وركائزها.
إن للجودة أسساً وركائز تدعمها، أهمها:
- الجودة في القصد: أي إخلاص النية، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَوَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة:5] وقال عليه الصلاة والسلام: (إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)، فهذا الحديث مما بدأ به البخاري جامعه الصحيح، والحكمة من ذلك التنبيه إلى تصحيح النية في أي عمل كان، لأنه "منبع الخيرات، وبه قامت الشرائع وجاءت الرسالات"[9]، فينبغي إخلاص العمل ليتحقق الشطر الأول من علامة جودته وإتقانه، والإخلاص رقيب عظيم على المرء، قال الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُونِ. وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ. الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ [الشعراء: 150-152].
- الصواب في العمل: وهو أن يكون موافقاً للشرع الذي أمر الله تعالى أن لا يعبد إلا به، وذلك يكون بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، وترك مخالفته صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران:31]، وقال ابن كثير عند قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ﴾ [الكهف:110] "أَيْ ثَوَابَهُ وَجَزَاءَهُ الصَّالِحَ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً أي مَا كَانَ مُوَافِقًا لِشَرْعِ اللَّهِ وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً وَهُوَ الَّذِي يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهَذَانَ رُكْنَا الْعَمَلِ الْمُتَقَبَّلِ، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خَالِصًا لِلَّهِ صَوَابًا عَلَى شَرِيعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"[10].
- الاستمرار في الإتقان والتطوير: وهو أبرز أسس الجودة، وقد سبق القرآن الكريم إلى ذكره في قوله تعالى: ﴿لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾ [المدثر:37]، حيث في هذه الآية إقرار لأبرز أسس ومبادئ الجودة، وهو وجوب الاستمرار في التحسين والإتقان والتطوير، قال ابن القيم: "فالعبد لا يزال في تقدم أو تأخر، ولا وقوف في الطريق البتة"[11].
فلا ينبغي لأي مؤسسة أو شركة أن تتوقف عن استمرارية التطوير والتحسين بحجة أنها قد بلغت المنتهى في الإتقان والجودة، حتى ولو نالت الشهادات العالمية في ذلك؛ لأنها إذا توقفت عن التطوير فإنها بالضرورة تتأخر، فالكون في تطور مستمر.
ولكي تتحقق الجودة في الحياة؛ فلا بدَّ أن يكون لدى الإنسان مبدأ الرقابة الذاتية، وأن يستشعر مراقبة الله تعالى له في السر والعلن، وهذه المراقبة هي الإحسان كما في الحديث الشريف، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)[12].
الفصل الثاني: الجودة في منظور القرآن الكريم
المبحث الأول: كلمات القرآن حول مفهوم الجودة.
لم ترد كلمة الجودة في القرآن الكريم، ولكن وردت كلمة (الجياد)، قال الله تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ. إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ﴾ [ص:30-31].
قال ابن عاشور: "الْجِيادُ: جَمْعُ جَوَادٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ الْفَرَسُ ذُو الْجَوْدَةِ، أَيِ النَّفَاسَةِ"[13].
وقال القرطبي: "الصَّافِناتُ الْجِيادُ: يَعْنِي الْخَيْلَ، جَمْعُ جَوَادٍ، لِلْفَرَسِ إِذَا كَانَ شَدِيدَ الْحَضَرِ، كَمَا يُقَالُ لِلْإِنْسَانِ جَوَادٌ إِذَا كَانَ كَثِيرَ الْعَطِيَّةِ غَزِيرَهَا... وَجَادَ الْفَرَسُ أَيْ صَارَ رَائِعًا يَجُودُ جُودَةً" بِالضَّمِّ" فَهُوَ جَوَادٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، مِنْ خَيْلٍ جِيَادٍ وَأَجْيَادَ وَأَجَاوِيدَ"[14].
والجوَّاد صفة من صفات الباري جل جلاله، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ جَوَّادٌ يُحِبُّ الْجُودَ، وَيُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا)[15].
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود ولد آدم، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنِ الْأَجْوَدِ الْأَجْوَدِ؟: اللَّهُ الْأَجْوَدُ الْأَجْوَدُ، وَأَنَا أَجْوَدُ وَلَدِ آدَمَ، وَأَجْوَدُهُمْ مِنْ بَعْدِي رَجُلٌ عَلِمَ عِلْمًا فَنَشَرَ عِلْمَهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمَةً وَاحِدَةً، وَرَجُلٌ جَادَ بِنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يُقْتَلَ)[16].
هناك كلمات كثيرة في القرآن الكريم تدل على مفهوم الجودة وهو الوصول إلى الأفضل والأجود، منها[17]:
- الإحكام: وهو ميزان جودة الأعمال في ظاهرها، ومعيار جودة الأداء وإتقان الممارسة، وهذا يمثل مبدأ التطابق مع المعايير والمقاييس الموضوعة للجودة، قال الله تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾ [هود:45] أي: وأنت أتقن الصانعين.
قال ابن عاشور: "وَمَعْنَى أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ: أَشَدُّهُمْ حُكْمًا. وَاسْمُ التَّفْضِيلِ يَتَعَلَّقُ بِمَاهِيَّةِ الْفِعْلِ، فَيُفِيدُ أَنَّ حكمه لَا يجوز وَأَنَّهُ لَا يُبْطِلُهُ أَحَدٌ."[18].
وقال سبحانه وتعالى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾ [الْبَقَرَة: 269]. وَإِنَّ الْحِكْمَةَ «مَعْرِفَةُ حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ»[19].
- الإتقان: وهو الضبط والإحكام والإحسان والتكميل، أي أداء العمل برفق ودقة وتأنٍّ، قال الله تعالى: ﴿وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: 88]، قال القرطبي: "وَالْإِتْقَانُ الْإِحْكَامُ، يُقَالُ رَجُلٌ تِقْنٌ أَيْ حَاذِقٌ بِالْأَشْيَاءِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَصْلُهُ مِنِ ابْنِ تِقْنٍ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ عَادٍ لَمْ يَكُنْ يَسْقُطُ لَهُ سَهْمٌ فَضُرِبَ بِهِ الْمَثَلُ، يُقَالُ: أَرْمَى مِنِ ابْنِ تِقْنٍ ثُمَّ يُقَالُ لِكُلِّ حَاذِقٍ بالأشياء تقن"[20].
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ)[21]، "أَي يُحْكِمَه كَمَا جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي رِوَايَة، وَذَلِكَ لأنّ الْإِمْدَاد الإلهي ينزل على الْعَامِل بِحَسب عمله فَكل من كَانَ عمله أتقن وأكمل فالحسنات تضَاعف أَكثر، وَإِذا أَكثر العَبْد أحبه الله تَعَالَى"[22].
وللإتقان علاقة وثيقة بكلمة (التقنية الحديثة) إذ هو اسم منسوب إلى تقن، ومصدر صناعي من تقن، حيث يتميز العصر الحديث بتقدم التقنيات، وعلم التقنية: التكنولوجيا، وعلم الصناعة[23].
- الإصلاح: وهو المستوى الذي يلي الإتقان، قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [الأنعام:48]، و قال عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [الأعراف:179]، وقال تعالى حكاية عن نبيه موسى لأخيه هارون عليهما السلام: ﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف:142]، لأن الإصلاح هو معرفة الأسباب الكامنة وراء الانحرافات والأخطاء ومحاولة إصلاحها وتقليل الانحرافات والوصول إلى مستوى أداء أعلى وأجود وأتقن، فالمصلح يسعى لمنع الفساد ومساعدة الآخرين في القضاء على الانحراف عن الخطة، وتوجيه الآخرين إلى أجود الطرق السليمة للوصول لأهداف خالية من العيوب، فعند مستوى الإصلاح تتسم المنتجات والخدمات بالجودة والإتقان، وخلوها من العيوب، ويتم أداء الخدمة دون معوقات، مع تحقق رضى المستهلك عنها حيث يحصل عليها في الوقت المناسب[24].
- الإحسان: وهو أعلى مستويات الجودة لأن فيه معنى زيادة عن الجودة، قال الله تعالى: ﴿فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 14]، "فأَحْسَنُ الْخالِقِينَ أي أتقن الصانعين، يُقَالُ لِمَنْ صَنَعَ شَيْئًا خَلَقَهُ... وَذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إِلَى نَفْيِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَنِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا يُضَافُ الْخَلْقُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى... وَاضْطَرَبَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ. وَلَا تُنْفَى اللَّفْظَةُ عَنِ الْبَشَرِ فِي مَعْنَى الصُّنْعِ، وَإِنَّمَا هِيَ مَنْفِيَّةٌ بِمَعْنَى الِاخْتِرَاعِ وَالْإِيجَادِ مِنَ الْعَدَمِ" . فإذا كانت الجودة مظهر من مظاهر الإحسان، وثمرة من ثماره؛ فإن الإسلام دعوة مطلقة إلى الإحسان، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [النحل:90]، فالإحسان مرتبة عليا، حيث العدل أن تأخذ ما لك وتضع ما عليك، أما الإحسان فهو مرتبة أعلى من العدل، حيث تعطي أوفر مما عليك وتأخذ أقل من حظك، وفي قوله تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [هود:7] إشارة واضحة إلى أن الجزاء يتعلق بكيفية الأداء كائناً ما كان هذا الأداء.
وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) ، قال الأحوذي: "أَيْ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ أَوْ (عَلَى) بِمَعْنَى (فِي) أَيْ أَمَرَكُمْ بِالْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْعُمُومُ الشَّامِلُ لِلْإِنْسَانِ حَيًّا وَمَيِّتًا، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ أَوْجَبَ مُبَالَغَةً لِأَنَّ الْإِحْسَانَ هُنَا مُسْتَحَبٌّ، وَضَمَّنَ الْإِحْسَانَ مَعْنَى التَّفَضُّلَ وَعَدَّاهُ بِـ (عَلَى)" .
- الإخلاص: ونعني به إخلاص العمل لله، فالفرد المسلم يراقب جودة عمله لأنه يعلم أنه مراقب من ربه عز وجل، وأن أعماله تحصى عليه ليحاسب عليها يوم القيامة، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1]، وقال تبارك وتعالى: ﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق:18]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ [يونس:61]، فبالإخلاص يُحْكَم الإتقان ويكون خالياً من العيوب، ويتم السعي للتحسين الدائم باعتماد سياسة الوقاية خير من العلاج، قال الله تعالى: ﴿وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل:93]، "فالإخلاص في النية والعمل هما من الفوارق التي تميز بها الإسلام عن سواه من المبادئ الجودة البشرية التي لا تلتفت إلى الجانب الروحي في أداء الأعمال"[25]، وقال الله تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء:36]، وطالما أن المسلم يراقب ربه في عمله فسيحاسب نفسه عن الجودة والإتقان قبل أن يحاسبه غيره.
- الطيِّبات: الجياد، والطيب هو الجيد المستطاب وضده الخبيث المستكره، والله طيب لا يقبل إلا طيباً، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [البقرة:267]، "قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَهُمْ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ أَطِيبِ الْمَالِ وَأَجْوَدِهِ وَأَنْفَسِهِ"[26]، وقال أبو السعود: "أي أنفقوا من حلال ما كسبتم وجيادِه"[27].
ولقد بَيَّنَ القرآن الكريم مقومات الحياة الطيبة، التي تتلخص في الإيمان والعمل الصالح، ولا تتحقق هذه الحياة الطيبة بالاستناد إلى العقيدة وحدها التي يحملها الناس في قلوبهم، كما أنها لا يمكن أن تكون حياة طيبة إذا انطلق الناس في الأرض يُشْبِعُونَ رغباتِهِم وَفْقَ أهوائهم من غير التزام بدين ولا عقيدة، فلا بد من استناد العمل الصالح إلى الإيمان، والمقصود بالعمل الصالح الذي هو من شروط الظفر بالحياة الطيبة في الدنيا وبالأجر الحسن في الآخرة، فهو العمل المشروع الموافق لما شَرَعَهُ الله في كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وليست الصلاة أو الصيام أو الذكر والدعاء هي وحدها التي تُكْتَبُ لك عبادة في يومك، بل كل عمل اجتماعي نافع يَعُدُّه الإسلامُ من العمل الصالح، وهو عبادة من أفضل العبادات ما دام قَصَدُ فاعلهِ الخير.
وأعجبُ من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم يجعل الأعمال الدنيوية التي يقوم بها الإنسان لمعيشته، والسعي على نفسه وأهله، من أبواب العبادة والقربات إلى الله تعالى، وإن لم يتعد نفعها دائرته الشخصية، فالزارع في حقله، والعامل في مصنعه, والتاجر في متجره، والموظف في مكتبه، وكل ذي حرفة في حرفته، يستطيع أن يجعل من عمله المعاشي صلاة وجهاداً في سبيل الله وطاعة وقربة إلى الله تعالى، بشرط النية الصالحة واتقان العمل.
ولقد تكفل الله تعالى للمؤمنين أفراداً ومجتمعات أن يحييهم حياة طيبة في هذه الحياة الدنيا، وأن يجزيهم الجزاء الأحسن في الآخرة، إن هم عملوا الصالحات فقال الله تعالى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه:112]، ولقد عاش المسلمون تلك الحياة منذ عصر النبوة، وعاشوها في العصور اللاحقة، ولا يزالون يعيشونها، بقدر ما كانوا ملتزمين بالمنهج الذي رسمه القرآن لهم.
- البالغ: أي الجيِّد، قال الله تعالى: ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾ [القمر:5]، أي محكمة لا ينسخها غيرها، وغاية في الحكمة والإتقان لا خلل فيها، قال ابن منظور: "وشيءٌ بَالِغٌ أَي جيِّدٌ، وَقَدْ بلَغَ فِي الجَوْدةِ مَبْلغاً."[28].
- البقية: الأحسن والأجود، "والبقية ما يبقى من الشيء بعد ذهاب أكثره، واستعمل كثيرًا في الأنفع والأصلح، لأن العادة قد جرت بأن الناس ينفقون أردأ ما عندهم ويستبقون الأجود"[29]، قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [هود:116]، أولوا بقية: أي أولو فضل وخير، "وَالْبَقِيَّةُ: الْفَضْلُ وَالْخَيْرُ. وَأُطْلِقَ عَلَى الْفَضْلِ الْبَقِيَّةُ كِنَايَةً غَلَبَتْ فَسَارَتْ مَسْرَى الْأَمْثَالِ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الشَّيْءِ النَّفِيسِ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يُفَرِّطُ فِيهِ. وَبَقِيَّةُ النَّاسِ: سَادَتُهُمْ وَأَهْلُ الْفَضْلِ مِنْهُمْ ... وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ «فِي الزَّوَايَا خَبَايَا وَفِي الرِّجَالِ بَقَايَا». فَمِنْ هُنَالِكَ أُطْلِقَتْ عَلَى الْفَضْلِ وَالْخَيْرِ فِي صِفَاتِ النَّاسِ فَيُقَالُ: فِي فُلَانٍ بَقِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى هُنَا: أُولُو فَضْلٍ وَدِينٍ وَعِلْمٍ بِالشَّرِيعَةِ"[30].
- الخيرات: الخير هو الأرفع والأجود، قال الله تعالى حكاية عن نبيه موسى عليه السلام: ﴿قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ [البقرة:61]، "يعني الرديء بالجيد"[31]، أي أتتركون الطعام الأجود والأرفع والأجل للأدنى والأردأ والأخس، ودعا الله تعالى إلى المسارعة في الخيرات فقال: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [المائدة:48]، وفي بيان المنازل والمراتب العليا قال تبارك وتعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّـهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ [الفاطر:32].
المبحث الثاني: أهم مبادئ الجودة في القرآن الكريم.
يحثنا الإسلام على جودة العمل وإتقانه، ويدعو للتحسين والتطوير والجودة والإتقان، ويجعل لمن يحسن العمل ويتقنه أطيب الجزاء في القرآن الكريم، كما أن الله تعالى يحب المتقنين والمحسنين في الأعمال، قال الله تعالى: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة:195].
أما أهم مبادئ الجودة فهي:
- الإخلاص والمراقبة: اهتم الإسلام بالنية والإخلاص في الأعمال، وركز على الوقاية بالمراقبة الذاتية بدلاً من التفتيش، ودعا إلى تنظيم نشاطات العاملين وفق ضوابط ومعايير محددة، والعمل على تنمية الرقابة الذاتية من منطلق قوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
- وضوح الأهداف والتزام الأمانة: ينبغي أن تكون الغاية واضحة ليتم العمل على أساسه، فوضوح الأهداف يساعد على الرؤية السليمة لكافة الإجراءات والجهود المبذولة، قال الله تعالى: ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [الملك:22]، كما وحث القرآن على التزام الأمانة في أداء الأعمال، فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون:8]، ومن متطلبات التزام الأمانة بذل قصارى الجهد في العطاء.
- المشاركة والشورى: ونقصد بذلك المشاركة الجوهرية وليست الشكلية، وتفعيل دور العاملين بطريقة تشعرهم بالأهمية، وسيعتبرونه نجاحاً لهم، إذ نزيد بذلك من إمكانية تصميم خطة أفضل وأجود، علاوة على تحسين وتطوير كفاءة صنع القرارات من خلال مشاركة العقول القريبة من مشاكل العمل، وبذلك تتحقق الجودة والنجاح، قال الله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [الشورى:38].
- التحفيز المادي والمعنوي: إن التحفيز مبدأ رباني يتضح من خلال قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ [الكهف:30]، ووجود الحافز للعمل أساسي وضروري لتحسين العمل وجودته[32]، بحيث يزيد المحسن إحساناً، ويشجع المقصر على التحسين والتطوير، قال الله تعالى: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ.وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ.ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ﴾ [النجم: 39-41]، ولكي يقع الحافز موقعه، لا بدَّ من ربط الحوافز بمعدلات أداء العمل، قال الله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الأحقاف:19]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة:7-8].
- التعاون: أكد القرآن الكريم على ضرورة ممارسة أسلوب التعاون في سبيل الخير والجودة، قال الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة:2] فالعمل الجماعي بروح الفريق يؤكد عليه القرآن الكريم ويحث أتباعه عليه؛ وذلك باختيار أعضائها من العاملين؛ لإنجاز الأهداف الفردية والجماعية طالما أن الأهداف الفردية تصب في بوتقة المصلحة العامة.
- المنافسة: وهو نظام يحفز الأفراد على التميز والتطلع نحو الأفضل والأجود، وشكر الله تعالى على ما أنعم به مِن فضل على ذلك الفرد، قال الله تعالى حكاية عن الذي عنده علمٌ من الكتاب: ﴿قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ [النمل:40]، ويساعد نظام الحوافز والمكافآت على تحسين أداء الموظفين وإنتاجهم، لذا دعا الباري جل جلاله إلى التنافس في الخيرات فقال سبحانه وتعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة:148]، وتعتبر المنافسة من أقوى الدوافع الإنسانيةالتي تتحكم بالسلوك وتحرِّكه، مع إتاحة الفرص المتساوية أمام الجميع لإثبات الجدارة، قال تعالى: ﴿وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين:26].
- استغلال الوقت: ومن أهم المبادئ الإسلامية هي الحث على استغلال الأوقات في ما يفيد، ولعظم أهمية الوقت أقسم الله به في آيات كثيرة فقال الله تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ.وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ [الفجر:1-2]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ.وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ﴾ [الليل:1-2]، وقال جل جلاله: ﴿وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر:1-2]، فتنظيم الوقت وحسن إدارته واستغلاله من أهم عوامل نجاح إدارة الجودة الشاملة في الحياة.
- الالتزام بالتحسين المستمر: بحيث يقوم كل عامل بتأدية عمله على أكمل وجه، وبأفضل السبل[33]، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الكهف:7]، ولتحقيق التطور المستمر عني الإسلام بتنمية كفاءة العاملين عن طريق تزويدهم بالمعلومات والمهارات الكافية، لإنجاز أعمالهم بجودة عالية، فقد حث القرآن على التزود بالعلم بصفة مستمرة، قال الله تعالى مخاطباً حبيبه: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه:114]
المبحث الثالث: أهم أنواع الجودة في القرآن الكريم.
لا تقتصر الجودة على جانب معين في الحياة، لأنها شاملة لجميع أمور الحياة، منها الجودة في العقيدة والأخلاق والعبادات والمعاملات والسياسة وغيرها.
- الجودة في العقيدة: لأنها الأساس الذي يبنى عليه الإيمان، وهي الدعامة الراسخة في قلب المؤمن، قال الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّـهِلَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَأُولَـٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ [الحجرات:7] فالعقائد مختلفة ولكن الإيمان واحد، وكلمة الإيمان أبلغ وأرقى، ولولاه لما شعر المرء بالأمان والاطمئنان، أما الجودة في الإيمان فإنها متمثلة بالتوحيد الخالص، وكلمة التوحيد لها شروط تقتضي الجودة في الإيمان بها، وقد عدها العلماء سبعة، وجمعها الشيخ حافظ الحكمي في منظومته سلم الوصول بقوله:
الـــعِــلْــمُ وَالــيــــــَقِــــيــــنُ وَالــقَــبـــــــولُ |
وَالاِنْقِيَادُ فَادْرِ مَا أَقُولَ |
وَالصِدْقُ وَالإِخْلاَصُ وَالمَحَبَّةْ |
وَفّــَقَـــكَ اللهُ لِمَا أَحَـــبَّهْ |
- الجودة في الأخلاق: لما كانت العقيدة لا تنفك عن الأخلاق جمَع النبي صلى الله عليه وسلم بينهما في قوله: (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ)[34]، وأجود الأخلاق قاطبة هو خُلُق الحياء الذي خصه النبي صلى الله عليه وسلم هنا بالذكر، وعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الحَيَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْهُ فَإِنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ)[35]، وقال عليه الصلاة والسلام: (الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ)[36]، لأن جودة الأخلاق في الحياء.
- الجودة في العبادات: لما كانت العبادة جسر الوصل بين العبد وربه، فإن الجودة في العبادة هي التزام شروط العبادة، كالطهارة واستقبال القبلة والخشوع، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة:6]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ)[37]، ويكون إتقان الصلاة وتجويدها على تلك الهيئة التي علَّمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)[38]، ولما كان الخشوع والاطمئنان في الصلاة ركنان أساسيان في تجويدها، ويبنى عليهما قبول الصلاة عند الله عز وجل، روى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ؟ قَالَ: لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا أَوْ قَالَ: لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)[39].
- الجودة في الاقتصاد: إن نبي الله يوسف عليه السلام نجح في الخروج من الأزمة الاقتصادية التي عصفت بمصر لا بموارد جديدة، بل بجودة استخدام الموارد، وبحسن إدارة الموارد الموجودة بين يديه، قال الله تعالى حكاية عن يوسف الصديق عليه السلام: ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ.ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ.ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ [يوسف:47-49]، إنها جودة إدارة الموارد الاقتصادية.
أما طهارة النفس من الدرن فالزكاة والصدقة مطهرة لها، وقد جعلها الشرع الحنيف برهاناً على الطهارة التامة الحسية والمعنوية، قال الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [التوبة:103]، وسميت الزكاة صدقة؛ لأنها دليل على جودة و"صحة إيمان مؤديها وصِدْقه، لأن المال محبوب إلى النفس، لا يخرجه إلا صادق الإيمان"[40]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ)[41]، وتعظم الجودة مكانة حين تكون من أطيب كسب المؤمن، عملاً بقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [البقرة: 267] فينتقي من ماله أجوده وأحسنه وأطيبه وأحبه إلى قلبه، وقد ارتبطت الزكاة بفريضة أخرى تليها، ألا وهي صيام رمضان، فافترض الله زكاة الفطر طهرة لنفس الصائم ولإكسابه خلق التواضع، قال عليه الصلاة والسلام: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ)[42].
- الجودة في المؤتمرات: إن أكبر مؤتمر إسلامي سنوي هو الحج إلى بيت الله الحرام، وأتَمُّ الحج وأجوده ما كان خالصاً لوجه الله سبحانه، قال الله تعالى:﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّـهِ﴾ [البقرة:196]، وأفضل الحج جودةً وجوداً؛ العجيج بالتلبية والذكر، ونحر البُدْن لوجه الله تعالى، فعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الحَجِّ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (العَجُّ وَالثَّجُّ)[43]، وجودة أفعال الحج ما كان تطبيقاً لسنة المصطفى صلوات الله عليه، فعن جابر رضي الله عنه، قال: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَقُولُ: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ)[44].
- الجودة في المعاملات: تقوم حياة الناس على المعاملات التي مناطها تبادل المنافع بأنواعها، وتجويدُها من تجويدِ ما تقوم به الحياة، فتجعلها مستقرة، لذا كانت الأخلاق أساساً في التعامل، وتتجلى قمة الجودة في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس بالرأفة والرحمة، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة:128]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)[45].
- الجودة في الدعوة: تنطلق الجودة في الدعوة من كتاب الله سبحانه وتعالى حين يقول: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت:33]، فنشهد في هذا المقام أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم هو أجود المبلِّغين عن الله عزَّ وجل، فقد أدى الأمانة وأحسن أداءها، وبلَّغ الرسالة فأتقن بلاغها، وكان في قمة الجودة حين نصح الأمة، ثم إن الدعوة أحق ما حقه أن يَجَوَّد، لما لها من علاقة مباشرة في إيصال دين الله تعالى، لأن الداعية مبلِّغ عن الباري جل جلاله، ولأن إتقان عمل الداعية يحقق غاية الخلْق في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56]، ومن أدوات الحكمة في الدعوة؛ الجدل بالتي هي أحسن، قال الله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل:125]، قال القاسمي: " ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ أي بالمقالة المحكَّمة الصحيحة. وهو الدليل الموضِّح للحق، المزيح للشبهة، وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ أي العِبَر اللطيفة والوقائع المخيفة، ليحذروا بأسه تعالى، وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي جادل معانديهم بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة، من الرفق واللين وحُسن الخطاب، من غير عنف. فإن ذلك أبلغ في تسكين لهبهم."[46].
- الجودة في السياسة: لما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بتأسيس الدولة الإسلامية لإقامة شريعة الله تعالى في حياة الناس؛ كان لا بدَّ من الجودة في سياسة أمور الناس الداخلية كالأحوال الشخصية، والخارجية كالسلوك المتبع مع الدول والحكومات، فكان عليه الصلاة والسلام حاكماً وقائداً موحى إليه من ربه، لكي يدبر أمور الناس بالحكمة الربانية التي آتاه الله تعالى لأنبيائه، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ [الأنبياء:78]، ولما كان العدل أساس الحكم؛ كان العدل قيمة مطلقة في العمل السياسي، مع العدو والصديق، لذا أولى الله تعالى لها آيات كثيرة منها قوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [النحل:90]، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة:8]، فالحاكم باعتباره الواجهة الأولى لسياسة الدولة؛ فإن عدله في الرعية جودة لاستمرارية حكمه، لذا وجَّه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في الهجرة الأولى إلى الحبشة، وقال لهم: (إنَّبِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مَلِكًا لاَ يُظْلَمُ أَحَدٌ عِنْدَهُ؛ فَالْحَقُوا بِبِلاَدِهِ؛ حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَرَجًا وَمَخْرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ)[47]، فالجودة السياسية من النبي صلى الله عليه وسلم في اختيار أرض الحبشة كي يتم تشكيل نواة أخرى للمسلمين غير التي في مكة، لأن المسلمين بمكة كانوا عرضة للقتل والاجتثاث في أي لحظة، ومن الحكمة عدم استقرار الجماعة في مكان واحد، وخصوصاً في حالة الضعف.
ثم إن جزءاً كبيراً من السياسة من الأمور الدنيوية قائمة على المشورة، وقد أفرد الله تعالى سورة من سور القرآن الكريم أسماها (سورة الشورى) لعظم أهمية الشورى في حياة الناس والارتقاء بهم إلى مستويات اجتماعية متقدمة، و"قد انفرد الإسلام بمبدأ الشورى وتفرد به عن سائر الحضارات السابقة، من حيث أنه يعطي المجال لاستخلاص أفضل الآراء ويترك الفرصة لمتخذ القرار أن يأخذ بما يراه مناسباً للموقف موضوع المعالجة"[48]، ويبرز ذلك من خلال قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى:38]، ولقد امتثل النبي صلى الله عليه وسلم لقول الباري جل جلاله: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران:159] بغية الجودة في السياسة، فالأمر الإلهي يفيد أن الوحي لا يغني عن الشورى، وأن الوحي منقطع بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فلا بدَّ للمسلمين من المشورة فيما استجدَّ من الأمور، ولذلك قام النبي بمشاورة أصحابه لإظهار آرائهم، ولتطييب نفوسهم، والرفع من شأنهم وأقدارهم، وكانت أكثر مشوراته صلى الله عليه وسلم في الجانب السياسي والإداري.
- الجودة في الإعلام: جاء الإسلام الذي عني بجودة الإعلام ورسم سياسته من أول أيامه، والذي كان له كبير الأثر في نشر الإسلام، وكمثال على ذلك فقد أخرج أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء:214] قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم الصَّفَا فَصَعِدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ نَادَى: (يَا صَبَاحَاهْ)، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ بَيْنَ رَجُلٍ يَجِيءُ إِلَيْهِ وَبَيْنَ رَجُلٍ يَبْعَثُ رَسُولَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: (يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي لُؤَيٍّ، أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ صَدَّقْتُمُونِي؟) قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: (فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَمَا دَعَوْتَنَا إِلا لِهَذَا؟ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ [المسد:1][49]، وهكذا كانت جودة الإعلام عندما صعد النبي صلى الله عليه وسلم جبل الصفا؛ حيث اختار مكاناً مرتفعاً ليبلغ من خلالها دعوته لأكبر عدد من الناس، ولكي يشاهده جميع الحاضرين، ولأن في ذلك إظهار لعظم الأمر الذي سيحدِّثهم به صلى الله عليه وسلم، فالصوت ولغة الجسد تشكلان الحجم الأكبر من التأثير في الحاضرين.
الخاتمة وتشمل أهم النتائج:
إن مفهوم الجودة قديمة قدم سعي الإنسان في البحث عن طرق تطوير الحياة، وتنطلق الجودة من عموميات كثيرة في الدين الإسلامي الحنيف، فالجودة تتكون من الدقة والإتقان والإحكام ونجد ذلك في نصوص كثيرة في ثنايا القرآن الكريم، وهي موجودة في جميع تعاليم الإسلام صغيرها وكبيرها من العقيدة والفقه والعبادات والمعاملات والسياسة وغيرها، ولم تكن منظومة تحقيق الجودة في الإسلام منظومة نظرية في عقول أهلها، ولكنها كانت ممارسات فعلية، فالجودة في الإسلام تمثل منظومة متكاملة على جميع المستويات وفي جميع الاتجاهات، بما يحقق الالتزام الذاتي والرقابة الذاتية بدرجات عالية، وتتميز عن القوانين التجارية المعاصرة، في سبقها بخمسة عشر قرناً، علاوة على أنه من عند الله العزيز الحكيم، بينما القوانين البشرية وضعها الناس تحقيقاً لمصالحهم، ولا نجد مكافأة لمن يلتزم بها، بينما وعد الله تعالى من يلتزم أوامره بالجزاء الأوفى في الدنيا والآخرة، وقد توصل البحث من خلال هذه الدراسة إلى النتائج التالية:
- أن مفهوم الجودة مفهوم أصيل وحاضرٌ في كل تعاليم الإسلام وبكل مضامينه، وجزء من عقيدة المسلم، وهذا أهم ما يميز الجودة في المجتمع المسلم عن الآخرين.
- أن كلمة الجودة بلفظها لم تذكر في القرآن الكريم، ولكن هناك كلمات كثيرة في القرآن تدل على مفهوم الجودة وهو الوصول إلى الأفضل والأجود، كالجياد والإحكام والإتقان والإحسان وغيرها.
- أنه يجب علينا أن نخلص عقيدتنا ونتقن عبادتنا وأخلاقنا وأعمالنا، وأن نحسن في أقوالنا وأفعالنا وخطابنا وأدائنا، وأن نتميز في مواقفنا وسياساتنا وعلاقاتنا، وأن نتطور في تخطيطنا وتنظيمنا وإداراتنا، وأن نتقدم في إنتاجنا وعطائنا نحو الأفضل والأحسن والأتقن.
- أن أهم مبادئ الجودة في القرآن الكريم هو الإخلاص، ووضوح الأهداف والمشاركة بالأفكار، والمراقبة الذاتية، والتحفيز المادي والمعنوي، واستغلال الوقت، والالتزام بالتحسين المستمر، لأنها إذا توقفت عن التطوير فإنها بالضرورة تتأخر، فالكون في تطور مستمر.
- أن القرآن الكريم أكد على ضرورة ممارسة أسلوب التعاون في سبيل الخير والجودة، إذ العمل الجماعي بروح الفريق يفضي إلى إنجاز الأهداف الفردية والجماعية، طالما أن الأهداف الفردية تصب في بوتقة المصلحة العامة.
- أن المنافسة نظام يحفز الأفراد على التميز والتطلع نحو الأفضل والأجود، ويساعد نظام الحوافز والمكافآت على تحسين أداء الموظفين وإنتاجهم، وتعتبر من أقوى الدوافع الإنسانيةالتي تتحكم بالسلوك وتحرِّكه، مع إتاحة الفرص المتساوية أمام الجميع لإثبات الجدارة.
- أن تنظيم الوقت وحسن إدارته واستغلاله من أهم عوامل نجاح إدارة الجودة الشاملة في الحياة.
- أن الإسلام عنى بجودة الإعلام ورسم سياسته من أول أيامه، والذي كان له دور كبير الأثر في نشر الإسلام.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المصادر والمراجع:
- القرآن الكريم.
- إدارة الجودة الشاملة في المؤسسات التربوية (التطبيق ومقترحات التطوير)، صالح ناصر عليمات، عمان، دار الشروق، 2004م.
- إدارة الجودة الشاملة في المجالين التعليمي والخدمي، أبو بكر محمود الهوش، طرابلس، 2018م.
- إدارة الجودة الشاملة، محمد عبد الوهاب العزاوي، جامعة الإسراء الخاصة بالأردن، 2004-2005م.
- إدارة الجودة الشاملة من منظور إسلامي، عبدالله جاد فودة، بحث منشور في مدونة عمرانيات بتاريخ الثلاثاء، 25 سبتمبر 2007، على الرابط التالي:
http://umranyat.blogspot.com/2007/09/blog-post_25.html
- التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»، محمد الطاهر ابن عاشور، الدار التونسية للنشر، تونس، 1984م.
- تفسير أبي السعود (إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم)، أبو السعود العمادي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، د.ت.
- تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)، أبو الفداء إسماعيل بن عمر، تحقيق: محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون، بيروت، الطبعة الأولى، 1419 هـ.
- تفسير المراغي، أحمد بن مصطفى المراغي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة: الأولى، 1365 هـ - 1946 م.
- التيسير بشرح الجامع الصغير، عبد الرؤوف المناوي، مكتبة الإمام الشافعي، الرياض، الطبعة الثالثة، 1408هـ - 1988م.
- الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وغيره، دار الكتب المصرية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1384هـ - 1964 م.
- الجودة الشاملة في التعليم العام: المفهوم والمبادئ والمتطلبات- قراءة إسلامية، بدرية بنت صالح الميمان، بحث مقدم للقاء الرابع عشر للجمعية السعودية للعلوم التربوية (جستن) عام 2007م.
- الجودة في ضوء السنة النبوية – دراسة موضوعية، عمر عودة خليل الهندي، رسالة ماجستير في الجامعة الإسلامية بغزة، أكتوبر 2017م، محرم 1439هـ.
- الجودة في المنظمات الحديثة، مأمون الدرادكة، طارق الشبلي، عمان، دار صفاء، 2002م.
- ضمان الجودة الشاملة في القرآن الكريم والسنة النبوية - دراسة موضوعية تحليلية، زياد عواد أبو حماد وغيره، بحث منشور في "حوليات كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالزقازيق 2017م، العدد السابع.
- الفوائد، ابن القيم الجوزية، تحقيق: محمد عزير شمس، دار عالم الفوائد، د.ت.
- اللباب في علوم الكتاب، أبو حفص سراج الدين عمر بن علي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وغيره، ار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1419 هـ -1998م.
- المبادئ الأساسية للجودة في القرآن الكريم والسنة النبوية: دراسة تحليلية، قاسم نجم، بحث منشور في المجلة الدولية للبحوث الإسلامية والإنسانية المتقدمة، المجلد 4، العدد 9، سبتمبر 2014م.
- موسوعة الفقه الإسلامي، محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري، بيت الأفكار الدولية، الطبعة الأولى، 1430 هـ 2009 م.
- هدي الساري مقدمة فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1441 هـ 2019م.
[1]- المعجم الوسيط:1/145.
[2]- لسان العرب ابن منظور:2/ 411.
[3]- القاموس المحيط، الفيروز أبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب، تحقيق مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، ط2، 1987 بيروت: 350.
[4]- إدارة الجودة الشاملة في المؤسسات التربوية (التطبيق ومقترحات التطوير)، صالح ناصر عليمات، عمان، دار الشروق، 2004م: 16.
[5]- إدارة الجودة الشاملة في المجالين التعليمي والخدمي، أبو بكر محمود الهوش، طرابلس، 2018م: 20-21، وإدارة الجودة الشاملة، محمد عبد الوهاب العزاوي، جامعة الإسراء الخاصة بالأردن، 2004-2005م: 7-8، والجودة الشاملة في التعليم العام: المفهوم والمبادئ والمتطلبات- قراءة إسلامية، بدرية بنت صالح الميمان، بحث مقدم للقاء الرابع عشر للجمعية السعودية للعلوم التربوية (جستن) عام 2007م: 17.
[6]- إدارة الجودة الشاملة، محمد عبد الوهاب العزاوي:9.
[7]- الجودة في ضوء السنة النبوية – دراسة موضوعية، عمر عودة خليل الهندي، رسالة ماجستير في الجامعة الإسلامية بغزة، أكتوبر 2017م، محرم 1439هـ: 15.
[8] - إدارة الجودة الشاملة في المؤسسات التربوية ، صالح ناصر عليمات: 16، والجودة في المنظمات الحديثة، مأمون الدرادكة، طارق الشبلي، عمان، دار صفاء، 2002م: 16.
[9]- هدي الساري مقدمة فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1441 هـ 2019م: 555.
[10]- تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)، أبو الفداء إسماعيل بن عمر، تحقيق: محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون، بيروت، الطبعة الأولى، 1419 هـ:5/183.
[11]- الفوائد، ابن القيم الجوزية، تحقيق: محمد عزير شمس، دار عالم الفوائد، د.ت: 280.
[12]- رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن ، بَابُ قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}، برقم: 4777.
[13]- التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»، محمد الطاهر ابن عاشور، الدار التونسية للنشر، تونس، 1984: 23/255.
[14]- الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وغيره، دار الكتب المصرية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1384هـ - 1964 م: 15/ 192-193.
[15]- رواه في الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، أبو بكر بن أبي شيبة، تحقيق: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1409هـ: 5/332، ومكارم الأخلاق ومعاليها ومحمود طرائقها، أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي، تحقيق: أيمن عبد الجابر البحيري، دار الآفاق العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1419 هـ - 1999 م، برقم 572 : 190، والمسند للشاشي، أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي، تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1410 هـ: 1/80.
[16]- رواه أبو يعلى في المسند، تحقيق: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، الطبعة الأولى، 1404 هـ 1984م، قال المحقق: إسناده مسلسل بالضعفاء: 5/176، ومجمع الزوائد ومنبع الفوائد، أبو الحسن نور الدين علي الهيثمي، تحقيق: حسام الدين القدسي، مكتبة القدسي، القاهرة، 1414 هـ، 1994 م: 1/166.
[17]- ضمان الجودة الشاملة في القرآن الكريم والسنة النبوية - دراسة موضوعية تحليلية، زياد عواد أبوحماد وغيره، بحث منشور في "حوليات كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالزقازيق 2017م، العدد السابع: 3143.
[18]- التحرير والتنوير لابن عاشور: 12/85.
[19]- التحرير والتنوير لابن عاشور: 21/150.
[20]- تفسير القرطبي: 13/244.
[21]- رواه الطبراني في معجمه الأوسط، برقم: 897، والبيهقي في شعب الإيمان، برقم: 4929، وأبو يعلى في مسنده، برقم: 4386.
[22]- التيسير بشرح الجامع الصغير، عبد الرؤوف المناوي، مكتبة الإمام الشافعي، الرياض، الطبعة الثالثة، 1408هـ - 1988م: 1/269.
[23]- معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عمر وآخرون، عالم الكتب، القاهرة; 1429 هـ 2008م: 1/296.
[24] - إدارة الجودة الشاملة من منظور إسلامي، عبدالله جاد فودة، بحث منشور في مدونة عمرانيات بتاريخ الثلاثاء، 25 سبتمبر 2007، على الرابط التالي: http://umranyat.blogspot.com/2007/09/blog-post_25.html
[25]- المبادئ الأساسية للجودة في القرآن الكريم والسنة النبوية: دراسة تحليلية، قاسم نجم، بحث منشور في المجلة الدولية للبحوث الإسلامية والإنسانية المتقدمة، المجلد 4، العدد 9، سبتمبر 2014م:33.
[26]- تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: 1/535.
[27]- تفسير أبي السعود (إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم)، أبو السعود العمادي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، 1/261.
[28]- لسان العرب لابن منظور، محمد بن مكرم، دار صادر، بيروت، الطبعة: الثالثة - 1414 هـ:8/420.
[29]- تفسير المراغي، أحمد بن مصطفى المراغي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة: الأولى، 1365 هـ - 1946 م: 12/96.
[30]- التحرير والتنوير لابن عاشور: 12/183-184.
[31]- اللباب في علوم الكتاب، أبو حفص سراج الدين عمر بن علي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وغيره، ار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1419 هـ -1998م: 6/167.
[32]- الجودة الشاملة في التعليم العام: المفهوم والمبادئ والمتطلبات- قراءة إسلامية، بدرية بنت صالح الميمان: 29.
[33]- المرجع السابق:25.
[34]- رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب شعب الإيمان، برقم:58.
[35]- رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب الحياء من الإيمان، برقم:24، ومسلم، كتاب الإيمان، باب شعب الإيمان، برقم:59.
[36]- رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب شعب الإيمان، برقم:60.
[37]- رواه أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، بَابٌ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الْوُضُوءِ، برقم: 101.
[38]- رواه البخاري، كتاب أخبار الآحاد، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام، برقم: 6857.
[39]- رواه أحمد في المسند، برقم: 22129.
[40]- موسوعة الفقه الإسلامي، محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري، بيت الأفكار الدولية، الطبعة الأولى، 1430 هـ 2009 م: 8.
[41]- رواه مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، برقم:1.
[42]- رواه أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ، برقم: 1609.
[43]- رواه الترمذي في سننه، أبواب الحج، بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ التَّلْبِيَةِ وَالنَّحْرِ، برقم: 827، والعَجُّ: هو رفع الصوت بالتلبية، والثَجُّ: بفتح المثلثة وتشديد الجيم - سيلان دماء الهدي، والأضاحي.
[44]- رواه مسلم، كتاب الحج، بَابُ اسْتِحْبَابِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا، وَبَيَانِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ»، برقم: 310.
[45]- رواه البخاري، كتاب بدء الوحي، بَابٌ: مِنَ الإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، برقم: 13، ومسلم في كتاب الإيمان، بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ، برقم: 71.
[46] - محاسن التأويل، محمد جمال الدين القاسمي، تحقيق: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1418 هـ: 6/422.
[47]- أخرجه البيهقي في السنن، برقم: 18190.
[48]- المبادئ الأساسية للجودة في القرآن الكريم والسنة النبوية: دراسة تحليلية، قاسم نجم:35.
[49] - رواه أحمد في المسند، برقم: 2801.
- التفاصيل
- كتب بواسطة: مسير الموقع
- انشأ بتاريخ: 01 جانفي 2021