
في أخلاقيات التنوع الثقافي: نحو ترسيخ الحقوق الثقافية
المؤلف : أ.د.موسى عبد الله
المؤسسة: جامعة سعيدة
للإتصال بالمؤلف : عنوان البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
مخبر البحث :تطوير البحث في العلوم الاجتماعية والانسانية، جامعة سعيدة
يحيل مفهوم التنوع الثقافي من حيث المبدأ على التعدد والاختلاف الثقافي داخل المجتمع الواحد المتعدد، المختلف الاصول الثقافية والأثنية والعرقية.. والمشترك في اللغة والدين والمصير والتاريخ ومجموع القيم.. والقائم في آن آخر على مجموع المبادئ والأخلاقيات كالاحترام المتبادل والاعتراف المشترك وكذا الاختلاف والتنوع السائد في أي مجتمع حي. مما يشكل مركب متجانس ثقافيا يتمتع بالحقوق المتساوية المنفتحة على ما بداخلها وعلى ما في محيطها. [1] يعبر ذات المركب عن الهوية الثقافية الجامعة لاختلاف المكونات الثقافية للمجتمع الواحد.
لقد أضحت العلاقة بين التنوع الثقافي والهوية الثقافية علاقة تعدد وتنوع في آن ، تنوع مشابه للتنوع الاحيائي في الطبيعة. علاقة استقطاب واستيعاب بشكل متجانس لمختلف القيم والمعارف والرموز والثقافات..
وعليه ، فإن مسألة تأسيس أخلاقيات التنوع الثقافي أصبحت اليوم مسألة حلول تطبيقية لمختلف أنواع الصدام والتهميش والاقصاء والإبعاد... كتعبير لأكثر من ثقافة ولغة ودين وعرق أو اثنية في المجتمع الواحد . وكاستجابة للأوضاع الداخلية لبعض المجتمعات المهددة في ثقافتها المحلية مما يستوجب حمايتها وكذا تشجيع مختلف الثقافات الوطنية على البروز والتعبير.
لقد تحول مفهوم التنوع الثقافي إلى مفهوم "الحقوق الثقافية" من خلال منظمة الأمم المتحدة وخاصة الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، والذي أنشئ عام 1946[2] و دخل حيز التنفيذ سنة 1976 . إذ تنص وثيقة الحقوق الثقافية للإنسان على حق الفرد في اختيار هويته الثقافية ، ومعرفة ثقافته
و تراثه وثقافات الآخرين وفنونهم ، وحرية الانتساب إلى أي جماعة أو مؤسسة ثقافية أو فكرية دون أي اعتبار للحدود الجغرافية ، كذلك المشاركة في النشاطات العالمية أيا كان نوعها أو موقعها ، وحرية الإنتاج المعرفي والتعبير المكتوب والمرئي والمسموع دون أية قيود، والحق في الحماية المعنوية والمادية ذات الصلة بنشاطه الثقافي , وحرية تشكيل المؤسسات ودراسة وتدريس الثقافات والحصول على المعلومات ونشرها وتصويبها والمشاركة في السياسات الثقافية .
كما حددت الوثيقة ، مسؤولية الدول والحكومات إزاء الحقوق الثقافية ، كإدراج مضمونها في صلب تشريعاتها وممارساتها ، والعمل على تنفيذها ، مع توفير الأجواء والإجراءات المناسبة لكل فرد من أجل الدفاع عن حقوقه وممتلكاته الثقافية ، بما في ذلك اللجوء إلى القضاء والمنظمات الدولية المعنية. وذلك يعني أن الثقافة غدت تحمل أبعاداً مختلفة : كالإنسانية والعالمية والقانونية و القيمية والخصوصية [3]. كما أصبح من غير الممكن اليوم تجاوز الصراعات أو الحروب.. إلا بالإقرار بخصوصية كلّ ثقافة. وبالانتقال من التعصب إلى التسامح، واستبدال النزاع بالحوار ، وبتكريس الانفتاح بدلا من الانغلاق أو التضييق . فالتنوع هو تعدد واغناء واخصاب للثقافة وروافدها (لغة ، اشكال ، ألوان ، رموز...)
تنوع ثقافي في مقابل الصدام والكراهية والاقصاء وكل قيم السلب التي لا تزال منتشرة في بعض المجتمعات الكليانية المنغلقة..
ان الاعتراف بالاختلاف الثقافي والفكري في أي مجتمع ما، يعد شرطا ضروريا باعتباره حقا من حقوق الأفراد والشعوب والحضارات في التعبير عن وجودها و هوياتها بحريّة. فالمجتمعات التي استطاعت التحرر من أزماتها الثقافية والفكرية ، مجتمعات توفرت في بيئتها ومحيطها ثقافة الحرية والاعتراف والاختلاف. والبداية أثمرت نتيجة ضرورة العيش المشترك بين المجتمعات و في كل الأمم ، تعايش قائم على حقوق وكرامة الإنسان ..وما الاختلاف الهُوياتي أو الأيديولوجي لم يعد سببا في انتهاك الحقوق . على العكس من ذلك ، تبقى حقوق الإنسان مصانة وفق مقتضيات العدالة ومتطلبات العيش المشترك. لأن هذا الاخير – العيش المشترك - هو الذي يفضي إلى تشكيل الواقع الاجتماعي المتعدد القائم على أساس الحوار والاحترام المتبادل ونبذ ثقافة الكراهية والمفاضلة الشعورية، وتعميق ثقافة العفو وحسن الظن والتسامح، فالعيش المشترك هو مشروع مفتوح على كل المبادرات والخطوات الإيجابية، التي تستهدف تنقية الفضاء الاجتماعي والثقافي من كل العوائق، التي تحد من تطور المبادرات المختلفة والمتنوعة وتحول دون تنميتها.
ختاما، أضحت الحاجة ماسة إلى الانفتاح والتواصل مع المنجز الثقافي بكل أنواعه وألوانه وبطموحات الشعوب، كل الشعوب في التطور والتقدم والتفاعل الخلَّاق مع المنجزات الإنسانية والحضارية.
في هذا السياق أكدت منظمة اليونسكو حق كل شعب في الحفاظ على هويته الثقافية، وتبنّى إعلان مكسيكو عام 1982 هذا الحق مؤكداً احترام الهوية الثقافية، وعدم السعي إلى فرض هوية ثقافية بالإكراه على أي شعب. مما يعطي الحق للأشخاص والجماعات في التمتع بثقافاتهم الخاصة، وبالثقافات الأخرى المحلية والعالمية، والحق في الثقافة يعني حق كل ثقافة لأمة أو لشعب أو لجماعة في الوجود والتطور والتقدم في إطار ديناميتها الداخلية، وبعوامل التأثر الخارجية، مع حفاظها على خصوصيتها واستقلالها، ولكن من دون إهمال للعوامل المشتركة ذات البعد الإنساني، ولقيم التعايش والتفاعل بين الأمم والشعوب والجماعات.
فالتأكيد على ارساء أخلاقيات التنوع الثقافي انما هو ارساء للحقوق الثقافية القائمة على 1 - المساواة بين الثقافات ، وعلى رفض التمييز بين الأمم والشعوب، وعلى عدم الاعتراف بفكرة التفوق أو الهيمنة الثقافية، وما تستند إليه من مفاهيم عنصرية أو قيم سلبية. وبالتالي ، فكرة الدفاع عن التنوع الثقافي تكمن في حماية فعاليات هذا التنوع من خلال اثرائه وتنميته واخصابه ، والحرص على انفتاحه وتواصله مع الغير.
---------------------
- وللإشارة هناك فرق بين التنوع الثقافي و التعدد الثقافي بحيث يكون التعدد الثقافي مرتبطا بالتطور المنظم للثقافات المتعددة بينما التنوع الثقافي هو الاعتراف بالتنوع و الاختلاف بين مختلف الثقافات.
- لجنة حقوق الإنسان التي عُهد إليها بإعداد أهم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وفي 10 ديسمبر عام 1948 صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليمثل الأرضية التي حددت حقوق الإنسان الأساسية.. ثم تم بلورة العهدين الدوليين لحقوق الإنسان عام 1966 وهما العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية.
- ظهرت مسألة التنوع على شكل( ملحق أصدرته اليونسكو في عام 2001 تحت عنوان " الإعلان العالمي حول التنوع الثقافي". بالإضافة الى الإعلان عن مبادئ التنوع و الاختلاف الثقافي الذي تبناه المؤتمر العالمي للمعلومات المجتمعية في جنيف عام 2003 و اتفاقية منظمة اليونسكو لحماية تطور التعبير عن التنوع الثقافي و الحضاري عام 2005 يعدان أيضا وثائق قانونية ملزمة و التي أكدت على الطبيعة المختلفة للبضائع الثقافية و الحضارية و الخدمات و الفعاليات و النشاطات ما هي ألا وسائل تعبير عن الهوية و القيم و المعاني.
أ.د. عبد الله موسى
- التفاصيل
- كتب بواسطة: مسير الموقع
- انشأ بتاريخ: 23 أفريل 2021