
حوار حول العنف والسياسة والحرب
المؤلف : الأستاذ معروفي العيد
المؤسسة: أستاذ فلسفة، بقسم علم الاجتماع، جامعة الجزائر2
للإتصال بالمؤلف : عنوان البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
تثير الحروب والعنف المرافق لها أو المتفجر لأسبابا عديدة دائما نقاشا مرافقا لمجرياتها يشارك فيه العسكريون والاستراتيجيون والإعلاميون وكذا المفكرون والمختصون في النظر الفلسفي أيضًأ. وهنا نجري هذا الحوار مع الدّكتور عليّ رسول الرّبيعيّ المختص في الفلسفة السياسية، جامعة ابيردين البريطانية. حوار يديره أستاذ مـــعروفي العيد: أستاذ الفلسفة بقسم علم الاجتماع جامعة بوزريعة 2 - الجزائر
س// أستاذ مـــعروفي العيد: بادئ ذي بدء، ما معنى العُنف؟
ج// الدّكتور عليّ رسول الرّبيعيّ: يصعب تقديم تعريف جامع مانع للعنف، ومع ذلك يمكن القول، إنّ العنف هو ضرر مادّيّ وأذًى فيزيائيّ يُصيب البشر والممتلكات. ويصاغ مفهوميّا كدرجة من درجات الصّراع، وغالبا ما يتفجّر العنف عندما تصل حرارة ذلك الصّراع إلى درجة معيّنة. وفي معظم الأحيان يؤدّي المستوى العالي من الصّراع إلى مستوًى عال من العنف. لذلك فالعنف نوع من الصّراع ولو أنّه ليس من السّهل قياسه كمّيّا للتّعلّق بالكيف والنّوع؛ ولأنّ له ديناميكيّة خاصّة تحوّل الصّراع إلى عنف عند حدوث تغيير في أطواره ودرجاته.
س// أستاذ مـــعروفي العيد: كيف تنظر الى طبيعة الحرب المعاصرة ونحن نشهدها بين روسيا وأوكرانيا؟
ج// الدّكتور عليّ رسول الرّبيعيّ: قد يُـنظر الى الحرب بوصفها إنحرافاً عن ما هو طبيعي أو سوي ، لذا قد تظهر متقطعة وعرضية وكإستثناء للقاعدة. هناك أفتراضات تكمن خلف أيً تحليل للحرب دائما، أفتراضات حول ما هي محركاتها، وكيف ندرسها، وحول المصالح والحاجات والغرائز والبُنى والأختيار التي تفسر لماذا وكيف تلجأ الدول الى الحرب.
س// أستاذ مـــعروفي العيد: ما راي الفلاسفة في علاقة العنف بالسياسية؟
ج// الدّكتور عليّ رسول الرّبيعيّ: دعني أشير إلى أنّ فلاسفة من عيار أفلاطون، هوبز، ميكافيلّي، سورل، كلاوزفتز بنوا فهمهم للسّياسة على عدم إمكانيّة تجاوز علاقتها بالعنف. وهو ما يؤكّده راهنا كلّ من سلافوك، جيجك، و شانتال موف الذين ذهبوا بدورهم إلى أنّه لا يمكن ازالة العنف من ميدان السّياسة. لكنّ العلاقة بين العنف والسّياسة ليست علاقة تلازم جوهريّ، لأنّ العنف ليس متأصّلا في صلب السّياسة على نحو يستحيل معه الفكاك بينهما. نعم، العلاقة بين العنف والسّياسة مترابطة في أغلب مراحل التّاريخ البشريّ ولا يعدو أن يكون ذلك قطعا عند التّفكير في الأمر من منظور سياسيّ سوى مجرّد أحتمال ممكن، إذ لا يتعذّر إزالة العنف من السّياسة ما دامت هناك مسـافة بين الممكن والحاصل دائما.
وعموما يتطلّب الأمر فكّ هذه العلاقة التّلازميّة بين بين العنف والسّياسة متى وأين ما وجدت بالتّخلّص من الأحكام المسبقة حول الطّبيعة البشريّة أوّلا سواء الإيجابيّة منها أو السّلبيّة، وثانيا، يتطلّب الأمر الرّاهن فهما وتحليلا جديدين يعيدان ولو بشكل جزئيّ تصوّر معنى العنف والسّياسة، وبالتّالي طبيعة العلاقة بينهما. ولا يعني هذا القول إزالة العنف من السّياسة بشكل نهائيّ وجدريّ لأنّ السّياسة هي ميدان انسجام الوعي العقلانيّ دائما.
س/ أستاذ مـــعروفي العيد: كيف ينظر الفلاسفة للحرب وطبيعتها؟
ج// الدّكتور عليّ رسول الرّبيعيّ: إن الموضوعة المهيمنة والمتكررة في خطاب الفلسفة السياسية حول الحرب هو أنها تعبير عن نزعة وميل متاصل في الطبيعة البشرية. إنها بدافع الرغبة في الهيمنة، وهذا ما يميز الحرب وعلى وجه التحديد، وما يجعلها من أعمال السياسية وليس ظاهرة طبيعية.
لقد نظر الفلاسفة كثيرا في مسألة الحرب. فهوبز مثلا- الذي "يتمتع بمكانة بارزة في العلاقات الدولية" ، قد وضع نموذجيًا في مجال العلاقات الدولية من حيث أنها تشكل الأساس الذي تبنى عليه الواقعية المعاصرة ، كالخطاب السائد في العلاقات الدولية.
أن "القانون" الوحيد الموجود على المستوى الدولي هو قانون الأقوى، ولا يكون النظام ممكنا على العكس من السلام إلا من خلال توازن القوى.
ويرى روسو، في هذا المنحى، أن العقد الاجتماعي بين الدول سيخلق الظروف للسلام. أما بالنسبة الى كانط فإن حالة"السلام الدائم" هي إمكانية ، ولكن يجب خلقها من خلال العقل البشري: فحالة السلام بين البشر الذين يعيشون معا ليست هي حالة الطبيعة نفسها، لأن الحالة الطبيعية هي حالة حرب، وحتى ان لم تتضمن أعمالا عدائية، فإنها تنطوي على تهديد مستمر. لذلك لابد أن تؤسس حالة السلام رسميا وعرفيا، فتعليق الأعمال العدائية ليس في حد ذاته ضماناً للسلام. ولذلك،المطلوب تشريع دستور مدني من خلال العقل، الذي مطلوب أن يحكم العلاقات الدولية ايضا. فكل الحروب تقف محكومًا عليها بالأدانة لخرقها العقل ولأخلاق العالمية ، إن إدانته للحرب مستمدة مباشرة من وجهة نظره حول العقلانية الإنسانية والنظام الأخلاقي العالمي. وبالتالي، يعتبرها انحرافًا للعقل البشري والشرعية المطلوبة التي تدعم المجتمعات الحرة.
س/ أستاذ مـــعروفي العيد: طبقا لما نراه اليوم من عنف الحرب التي تجري بين روسيا وأوكرانيا يُطرح السؤال بقوة عن العلاقة بين العنف والسياسية، اي، هل العلاقة بين السياسة والعنف علاقة تلازمية؟
ج// الدّكتور عليّ رسول الرّبيعيّ: هناك من يرى أنّ للسّياسة جوهرا يوجد في العنف، وينطلق أصحاب هذا الرّأي من أنّ العنف سمة ثابتة للسّياسة. بالتّأكيد هذا رأي مقلق ومزعج، فنظرة متأمّلة لأحداث القرن العشرين وما تلاها من أحداث في العقدين الأوّلين من القرن الواحد والعشرين تروي وحشيّة العنف وفظاعته في هيروشيما، في الغولاغ، في كمبوديا ويوغسلافيا وروندا وأفغانستان والعراق وسوريا الحرب الروسية الأوكرانية اليوم.. لقد كان القرن العشرين عصر أبادة جماعيّة، وتطهير عرقيّ، وغرف للغاز، وتعذيب وحشيّ، واغتصاب ممنهج في الحروب، وتفجير نوويّ، وأسلحة كيمياويّة، وإرهاب ضدّ الدّول، وإرهاب الدّول نفسها، والنّتيجة قتل أكثر من 150 مليون إنسان من بينهم 62 مليون مدنيّ. وبناء عليه فإنّ هناك أسبابا وجيهة للاعتقاد بأن القرن الواحد والعشرين سيكون كسلفه ملطخا بالدّم، فالأدلّة التّجريبيّة تشير بما يكفي إلى حقيقة أنً العنف سيكون سمة ثابته للشّأن السّياسي رغم إصراري على الرّأى الذي يقضي بإمكان انفصال العنف عن السّياسة.
س / أستاذ مـــعروفي العيد: يتردد كثيرا في الصحافة والنقاشات المتلفزة - لاسيما ونحن نشهد حربا في اوربا هذه الأيام- مفهوم الحرب العادلة، ماذا يعني هذا المفهوم؟
ج// الدّكتور عليّ رسول الرّبيعيّ: إن الفكرة القائلة بأن الحرب يمكن أن تُدار لسبب عادل وبوسائل عادلة لها تقليد طويل ما يزال في كل مكان ويسيطر بالفعل على خطاب الحرب وشرعيتها. إن الحرب العادلة هي "نمط من الخطاب ولغة للتبرير والتقييم" . طورت التصورات العامة للحرب قاعدة عقيدة الحرب العادلة من كونها مجالًا لاهوتيًا في المقام الأول إلى لعب دور تكويني في خطابات المحامين الدوليين، المحترفون العسكريون، وصناع القرار، منظري العلاقات الدولية، الفلاسفة الأخلاقيون.
تحتوي عقيدة الحرب العادلة كأسلوب للخطاب على مفاهيم متنازع عليها بشكل أساسي تشير إلى مركزية التفسير والدور الذي تلعبه المقولات اللغوية في الحياة السياسية والاجتماعية. هذه العقيدة تم التعبير عنه أولاً من قبل القديس أوغسطينوس مدينة الله ، الذي كتبه في عام 427 ، وفي العصر الحالي من قبل فلاسفة أخلاقيين مثل مايكل فالزر عن الحروب العادلة والظالمة ، وأن السلام ليس القيمة الإنسانية النهائية. تشير عقيدة الحرب العادلة إلى أن اللجوء إلى القوة في بعض المواقف هو شكل من أشكال السلوك المرغوب فيه وانها عمل إيجابي. لذلك ، من المهم أن ندرك ذلك على عكس المفاهيم الواقعية للحرب التي تحدد الحرب على أنها ذات غرض والاستخدام الفعال للقوة الذي يتم تحديده على أساس التكلفة / المنفعة ، يتم شن الحرب باسم بعض القيم المحددة مثل حماية القانون الدولي أو معاقبة العدوان. في ظل هذه الظروف ، الحرب رغم نتائجها قوة مدمرة.
وأنا أرى الحق في الحرب العادلة لا أساس له، فإذا كانت نظرية الحرب العادلة تعتمد على حجة: أن لدينا واجبات أخلاقية تجاه الآخرين دوليًا عندما يحتاجون إلى الدفاع. كيف يمكن اتهام أي شخص بارتكاب مخالفات أخلاقية لفشله في مساعدة أولئك المهددين بالاعتداء غير المشروع، أيً كيف يكون الفشل في القتال أخلاقياً أسوأ من القتال؟
طبعًا هناك، ثلاثة مختلفة أنواع الحرب العادلة ما زالت ممكنة: الثورة ، ومقاومة التمرد ، والدفاع الوطني. أنواع الحرب العادلة التي بصددها هي تلك التي تتعلق بموقف هي أولئك الذين يدافعون عن دول أو شعوب أخرى.؛ ويبررون التدخلات لأسباب إنسانية والدفاع عن الدول الأخرى من العدوان بوصف ذلك يعتمد على أساس الواجبات الأخلاقية المستحقة بين الدول.
س// أستاذ مـــعروفي العيد: كيف هي الدعاية زمن الحرب؟
ج// الدّكتور عليّ رسول الرّبيعيّ: يشكل تبرير الحرب عنصرًا أساسيًا لخطاب الحرب المستخدم خلال نزاعات محددة حيث تحاول القيادات حشد الدعم للحرب التي تقوم بها. يعتمد مثل هذه الخطاب على الذخائر اللغوية الموجودة بالفعل والتي تشكل عالمًا مشتركًا للمعنى والنظام الاجتماعي المعياري.
تسعى الدعاية في زمن الحرب لاستحضار الشعور بالأمة وإلى رسم ملامح العدو، مثل هذا التلاعب بالاتصالات في بناء الصور كان واضحًا منذ الحرب الأمريكية على العراق الى الحرب الرروسية- الأوكرانية اليوم تعتمد على تقديم مبررات تبسيطية للحرب في حين أن أهداف الحرب والقضايا التي تشكل أساس الصراع قد تكون معقدة للغاية وقابلة للتغيير مع مرور الوقت، فإن الهدف من لغة الحرب هو التبسيط دائمًا إلى جماعات أو شعوب متضادة ومتمايزة ، وغالبًا ما تكون ثنائية. إن نتيجة التلاعب بالاتصالات أثناء الحرب هي التحول إلى الحياة اليومية والمشاركة في عملية الحرب. على الرغم من مشاهدة مجريات الحرب وصورها عن قرب نتيجة للتطور في عالم الأتصالات التكنولوجي والثورة في تكنولوجيا المعلومات والمعلومات، الأً أن لايزال يتم التلاعب في آثار الحرب وحتى بشكل متناقض من خلال الخطابات.
س// أستاذ مـــعروفي العيد: يرى فرويد أن الإنسان ليس هو "ذلك الكائن الطيب السَمح الظمآن إلى الحب، الذي يدعي أنه لا يهاجم إلا دفاعا عن نفسه، فهذه الصورة الجميلة عن الإنسان لا توجد إلا في الكتب والأشعار والمُثل والأحلام؛ أما في الحقيقة فالإنسان هو كائن يختزن قدرًا كبيرًا من العنف في تكوينه النفسي وفي كوامنه الغريزية، فكل إنسان ميال إلى استغلال الآخر والتفوق عليه والاعتداء عليه، لإشباع حاجته العضوية والنفسية، فالإنسان مدفوع عضويا إلى إشباع حاجته من العدوان. هل يسعى الإنسان بطبعه للعنف أم تفرضه عليه الظروف؟
ج// الدّكتور عليّ رسول الرّبيعيّ: دعني أعلن ارتيابي من أيّ ادّعاء يزعم أنّ هناك تلازما ثابتا وحتميّا لا يمكن تغييره أبدأ بين العنف وبين السّلوك البشريّ، وأنّ العلاقة بين الطّبيعة البشريّة والاجتماعيّة وبين العنف علاقة جوهريّة متـأصّلة في صلب البنية النّفسيّة وفي طبيعة الاجتماع البشريّ، وبالتّالي لا فكاك بينهما مطلقا الشّيء الذي يجعل السّلوك البشريّ سلوكا عنيفاً على الدّوام. وحتى إذا أخذنا بالاعتبار تقرير فرويد الذي يجعل العنف مرتكزا على غريزة الكراهيّة والتّدمير والعدوانيّة من حيث هي نوازع قويّة متجذّرة في نفوس البشر يمكن استثارتها في أوقات الاضطرابات الجماعيّة، فإنّه من الممكن تصريفها في غير قنوات العنف كما أشار إلى ذلك فرويد بنفسه. أمّا إن كان مدار الحديث عن الأسباب السّيكولوجيّة للعنف فبالتّأكيد هناك أسباب لها تفسيرات عديدة من قبل مذاهب علم النّفس والتّحليل النّفسيّ.
س// أستاذ مـــعروفي العيد: هل هناك من علاقة بين العنف والمعنى؟ اي هل هناك اي علاقة بين تفجر العنف وما يحمل من معنى عند يمارسه؟
ج// الدّكتور عليّ رسول الرّبيعيّ: عندما قال دريدا في "الكتابة والاختلاف": "إنّ العنف مطمور في جذور المعنى"، وقال جين نانسي في "المجتمع عديم التّأثير": "إنّ العنف يخلق الحقيقة" بدا أنّ هذين القولين صادمين. فأحد أوجه التّغيير في العالم ينتج عن العلاقة بين العنف والمعنى، والمقصود بالمعنى هنا مايرتبط بذات الشّخص، أي تلك الطّريقة التي يعي ويتدبر بها تجربته وخبراته، مساره، وموقفه، لا الموقف في حدّ ذاته وحالاته وتحوّلاته.
قد تكون حالات الخيبة والإحباط التي يشعر بها الشّخص أحيانا من مسبّبات العنف، لكن لا ينبغي اختزال العنف في ردّ فعل يقوم به شخص يريد بذلك استرجاع توازنه. فمن الأهمّيّة بمكان الانتباه إلى السّياق السّياسيّ، وإلى الأبعاد الاقتصاديّة والأحوال الاجتماعيّة التي يعيشها ذلك الشّخص، ثمّ إلى التّحوّلات التي تكتنف ذلك السّياق. فلا يمكن لديناميكيّات العنف أن تقتصر على ما يتعلّق بمسعى الشّخص وبقدراته على تحديد موقفه داخل هذا النّوع أو ذاك من العلاقات، إذ يندرج العنف في صلب الاستمراريّة الثّقافيّة أيضا، ويرتبط بحقل ومستوى التّعليم.
فالشّخص يحتاج لأن يبرّر العنف أمام نفسه وأمام الآخرين، وفي هذه الحالة لا يكون العنف بلا معنًى، بل إنّه على العكس من ذلك يبدو كامل المعنى، مفرطا في الامتلاء به. أي أنّ العنف مهما عبّر بذاته عن فقدان المعنى أو عن عجز فيه فإنّه ليس كذلك بالنّسبة لمرتكبه. والشّواهد عديدة على ما قد يرافق العنف الجماعيّ من سرديّات متنوّعه تسدّ ذلك العجز في المعنى، وتتمثّل في الأساطير، وفي الوعي الأيديولوجيّ، ثمّ في الدّين.
يظهر العنف عندما يواجه الشّخص أو تواجه الجماعة صعوبة التّوفيق في الممارسة بين عناصر معنى ليس بعيدا عن الواقع فحسب، ولكن مناقضًا له. فيصبح العنف في هذه الحالة تعبيرا ملموسا عن وعي أسطوريّ يسمح باندماج تمثّلات متعارضة وتخيّلات متضاربة ومعاني متناقضة. وباقتران هذا الوعي بالعنف يصبحان معا وجهين لعملة واحدة تقدّم تمثّلا خيالياً يوفّق بين عناصر لا يمكن أن تندمج في الواقع التّاريخيّ، أو تكون مقبولة في العالم الاجتماعيّ المتمدّن. ينطبق هذا تماما على تجلّيات الوعي الأيديولوجيّ كفكرة خاطئة بالمعنى الذي أشار إليه دوركهايم.
قد يتحوّل الاعتقاد الدّينيّ بدوره إلى عنف متطرّف وغير مقيّد بإضفاء معنى على الفعل يتخطّى العالم الواقعيّ كما هو موجود ليوحّد بينه وبين آمال غيبيّة وقناعات تتعلّق بالعالم الآخر. فيصبح لهذه الآمال والقناعات دور كبير في التّحريض وإدارة العنف السّياسيّ. ذلك أنّ الاعتقاد الدّينيّ يوفّر امتلاء المعنى ويمنح الفعل شرعيّة غير محدودة تستند إلى "حكم متعالٍ" يُزعَم استنباطه من نصٍّ مقدّسٍ.
علينا أن ندرك أنّه عندما يفقد الفعل الطّبيعة السّلسة والسّلميّة فيميل إلى الصّعوبة في ظلّ أوضاع مختلّة سياسيّا، اجتماعيّا، وثقافيّا تغيّب بما يغلب عليها من منطق القطيعة والتّمزّق وفقدان المعنى العلاقات الإنسانيّة التي تنهار بنياتها من فرط هيمنة معاني ما بعد السّياسيّة، فإنّ ظهور العنف يصبح أكثر احتمالا وبشكل قويّ. لأنّه سيكون بفعل هذه الظّروف وتحت تأثيرها تعبيرا عن النّقص العاطفيّ، وقرينة تدلّ على العجز الفكريّ والوجدانيّ المركّب، وعنوانا لانحطاط مدنيّ ينتج الشّرّ. والسّؤال في مثل هذه الحالة يدور حول ما إن كان ممكنا مغالبة الشّرّ بالخير، وكيف نفعل ذلك؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ.معروفي العيد
أستاذ فلسفة بقسم علم الاجتماع،جامعة الجزائر2
- التفاصيل
- كتب بواسطة: مسير الموقع
- انشأ بتاريخ: 18 مارس 2022