آليات تشفير النص وترميز المتن الحكائي رواية "خطوة في الجسد" لـ"حسين علاّم" أنموذجا

 

 

المؤلف : الأستاذة سعاد حمداش

المؤسسة: جامعة المدية

للإتصال بالمؤلف : عنوان البريد الإلكتروني  عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مخبر البحث: /

 

 

 

 

 

 

"الرواية هي بحث عن قيم أصيلة في عالم لا أصيل، 

فهي بالضرورة وفي آن واحد سيرة وتاريخ اجتماعي".

لوسيان غولدمان

 

 

تمهيــد:

 

إنّ تقنية التغريب في الأدب منحت تجليا مكثّفا للاشتغال حول عملية التنظير حول مفهوم الأدب والكشف عن أهم الأسس المشكلة لخاصيته، وبالتالي استقراء ما يجعل من الأدب نصا أدبيا، بمعنى ذلك الطابع الجمالي الذي يميز اللغة الأدبية عن اللغة اليومية؛ والذي يتجسّد في التصرّف الفني فيها، إذ أنّ البحث عن مميزات اللغة الأدبية هو استقراء للثوابت الفنية والطرائق التقنية لنص ما، وأدى ذلك إلى إدراك نماذج أدبية خاصة تندرج في إطار التصنيف، فأصبح النص الأدبي يُدرس من حيث مضمونه؛ وذلك من خلال مساءلة الشكل وتفكيك دواله، والبحث عن وظائف الأساليب ومقصديات اللغة وغايات النظم فيه لاستقراء الجنس الأدبي، وذلك باعتماد تقنية منهجية ترصد تطورات النص من خلال إدراك الثوابت البنيوية للجنس الأدبي ذاته.

للأدب أجناس تمثّله على مستوى جمالية اللغة وجزالة اللفظ، ومن بين هذه الأجناس نجد الخطاب السردي أو ما يُعرف بالفن الروائي الذي هو شكل فنيّ أدبيّ وجماليّ، وهو قالب من قوالب التعبير عن التجربة الإنسانية من حيث إدراك الذات والعالم معا، يعتمد فيها المؤلف على سرد أحداث معيّنة تجري بين شخصيات مختلفة، فكثرت الدراسات حولها نظرا لاكتساحها ساحة الأدب الحديث، وقد تناولها الباحثون من وجهة نظر تختلف عن الآخر في بعض النواحي وتتفق في النواحي الأخرى، وهذا الفن الروائي يحمل سيمات خاصة تحدّده كالسرد وطرائقه التقنية، وجود حدث يُحقّقه إنسان في زمان ومكان محدّدين.

تنطلق دراستنا من تسليط الضوء على أنموذج الرواية الجزائرية المعاصرة "خطوة في الجسد" للروائي الجزائري "حسين علاّم"الحائزة على جائزة مالك حدّاد لعام 2005؛ باعتبارها ظاهرة أدبية استوجب الحفر في مضمراتها ومساءلة طرائقها الفنية؛ من حيث التعبير عن تجربة إنسانية عبر صياغة مزدوجة بين ممكن السرد ومستحيل التحقيق المجسّد عبر تقنية الخيال الإبداعي، فالرواية حاول فيها المؤلف البوح بما يعتري المجتمع الجزائري بصورة عامة وتلمسان بصورة خاصة من مظاهر الرعب الذي انبثق من خلفية دينية وسياسية تجسّدت في سلوكيات البعض وعقلياتهم السلبية حتى أضحى القتل حرية أساسية تسربت من أوهام وتصورات تخريبية استهدفت النساء وحتى الرجال في ذلك المجتمع، تسير أحداث الرواية ضمن مسار يتيح للقارئ استقراءها بهدوء عبر منعطفات قصدها الكاتب لتكون جسرا للبوح عن عمق الألم الذي سببته تلك السلوكيات والذهنيات الصادرة من قبل شعب قاتل، إذ نراه يقول وفي إحدى مشاهد الرواية: "تلك الكلمات التي تلقى في التعازي وفي الجرائد أو في الكتب، ليس لها من معنى. لأن عيوننا لا تزال تتماشى عيون أمهات وأبناء المقتولين أو زوجاتهم ولا زلنا نقول أن هذا قضاء الله وقدره لكي نتخلص منهم... نحن لن نتألم مثل آلامهم.. هذه التي لن نكون جديرين بها أبداً.. أنت على حق عندما كنت تقول لي دائماً أننا اليوم لسنا جديرين بآلام الجزائريين عبر تاريخهم الطويل من القهر والنضال. فنحن لم نقف عنده في يوم من الأيام بجد. لم نتأمله كما ينبغي لنضع حاضراً مختلفاً ".[1]

تحكي خطوة في الجسد ذلك الكلام الذي يُروى في كل مكان من المدينة المحروسة، حكاية يوسف ولد المهدي الخراز وباية البجاوية المنتشرة في كل مجلس، تجري على كل لسان كما تجري النار في التبن أو في كومة من العوسج. يتداولها الناس في المقاهي والمحطات والمساجد والساحات... في الدروب وعلى الأرصفة، حتى أن السكارى يتداولونها في خلواتهم.. وغدت حديثهم الذي يستعينون به من الوصول إلى آخر السكر الذي يطلون منه على سؤر أرواحهم الخائفة من القتل. وهم اليوم يتهامسون بها ويعدونها حكايتهم الأثيرة. أما الذين يجرؤون على روايتها علناً فعليهم أن يتخفّفوا عندما يشرعون في ذلك، ليس لأنها نذير شؤم؛ بل لأنه لا أحد يمكن أن يصدق أن البجاوية امرأة حقيقية، لذا يتكتمون عند البوح باسمها أيضاً أمام الشرطة أو العسكر ويخفون معرفتهم بها، تماماً كما يخفون قطع الكيف ويضعونها في علب الكبريت وفي تبطين السراويل والجاكتات أو يرمونها بين السجائر، تحت، في القاع. لقد صارت هذه الحكاية ممنوعة عن الناس لأنها مرتبطة بــ(الدولة)، ولكنها كانت على كل لسان لهذا السبب بالضبط. لقد خربت عقول الناس كباراً وصغاراً لأن كل راوٍ كان يضيف لها شيئاً من عنده، فهي لذلك تتضخم وتتورم وتكبر حتى تغدو بحجم شجر البلاطان. وأما الذين يكرهون يوسف ولد المهدي الخرّاز فكانوا يضيفون إليها الوقائع الكاذبة. وها هي رائحة الشماتة تندّ من أفواه أولئك الذين قالوا عنه أنه هو من قتل.. أنهم يغالطون ويدلسون.. ها هم يدّعون عليه"[2].

منذ الإطلالة الأولى لبزوغ الرواية، نجد فنية اللغز تنبثق مع وتيرة القراءة في البحث عن العلاقة التي تجمع يوسف بباية البجاوية، وعن سبب الامتناع عن حكايتها علنًا، وبالتالي الرواية ترتكز على تبئير في تقنية التشويق من بداية الحكاية إلى نهايتها، التي ظلت تستوحي نصوصا لا نهائية بانفتاح خاتمتها، فهي بذلك ظاهرة أدبية اتّخذت من الراهن العربي والجزائري خصوصا منطلقا لتشكيل مخيّلتها السردية، كما اعتمدت على تقنية التجديد في الكتابة الروائية منطلقا في نمط الكتابة السردية، ومن فنية اللّعب السردي طرائقا متعدّدة في بناء عوالم فنية ينمو معها الإيحاء عن الأبعاد الدلالية على المستوى الرمزي .

تُحاول هذه الدراسة مقاربة شكل القصّ في الإنتاج الروائي الجزائري المعاصر في رواية "خطوة في الجسد" أنموذجا من خلال الحديث عن الشكل الروائي ومغامرة التحديث في أفق التجريب الفني في الرواية الجديدة،واقتفاء أثر تشكّل الدلالة؛ إذ أنّ " الشكل الروائي في جوهره صورة لغوية سردية مكتوبة للفعل البشري"[3]

والدافع في اختيار هذه الرواية انطلاقا من قراءتنا لمقال الروائي الجزائري "حبيب السايح" المنشور في جريدة الفجر الجزائرية يوم السادس والعشرين من شهر ماي 2011 ،في طرح تساؤل أثار انتباهي كقارئة في قوله:"فمن الحق أن يُطرح السؤال على الضمائر: لماذا يُطال التغييب على نصٍ جديرٍ بالالتفات إليه مثل (خطوة في الجسد)؟"

اعتمدنا آلية الاستقراء عن مكامن الجمال في نص "خطوة في الجسد" وعن الطرائق التي تجعل منه نصاّ أدبيا، فارتأينا التساؤل حول:

ماهي آليات التجريب وكيف تتجلى في مكونات رواية حسين علام؟ وفيما تتمثّل استراتيجياته الخطابية وإجراءاته النصية؟ وما علاقة تشكُّل المتخيل في النص السردي بالقيم الجمالية الفنية للأثر الأبي؟ وهل كل ذلك يُحقق ما يسمى أدبية الأدب؟

سوف نحاول أن نُكوثر الإجابة حول هذه المساءلات من خلال عناوين فرعية تؤسس جمالية النص الروائي "خطوة في الجسد"؛ ونبحث في خصائصها التجنيسية وتحديد هويتها السردية ومغامرة التجريب الفني فيها من خلال التعرف على كتابة الواقعة والحدث عبر توليفة فعل الكتابة السردية ومفهوم النص الحكائي من خلال استقراء شفرات النص، التي اعتمدها الناقد الفرنسي (رولان بارث) في قراءته لنص بالزاك S/Z .

 

-شِفرات النص :

تتأسّس بؤرة القراءة في رواية "خطوة في الجسد" على دعامتي اللغز والتشويق ممّا رسم بعداً مُشفراً جعل من النص سننا مقنّنا وحوارا منسجما مع بؤرة القراءة؛ من خلال الإشارة إلى كينونة النص عبر شكله في إنتاجية المعنى، واعتمادا على الشفرة سنقدّم محاولة تحليلية لنص الرواية استنادا للشفرات الخمس التي استنبطها [رولان بارث] في تحليله الشيّق لقصة s/zلـــ[بلزاك]، إذ فيه نجد [رولان بارث]يُعرّف السنّن قائلا: "إنّ ما نطلق عليه اسم سنن ليس قائمة ونسقا ينبغي إعادة تركيبه...فالسنن يجعل من النص بيانا، وكل سنن يمثّل إحدى القوى التي يمكن أن تستحوذ على النص، إذ يمثّل النص شبكة بمعنى أحد الأصوات التي نُسج منها النص."[4]

وتتمثّل شفرات التحليل البارثي في: الشفرة التأويلية، الشفرة الدلالية، شفرة الأحداث، الشفرة الثقافية والشفرة الرمزية، فكيف تتجلى هذه الشفرات الخمس في رواية حسين علاّم؟

أ-الشفرة التأويلية:

هي صيغة استفهامية تُعنى بخلق إشكالية تستفزّ القارئ لمتابعة مسار القضية، إذ تتشكّل هذه الصيغة بين وحدات بنائية للفعل؛ حيث أنّها تأخذ أنظمة تعبيرية مميّزة لتهيئة القارئ في ولوج عوالم النص بطريقة محكمة باعتبار تقنية التشويق ابتغاء المكاشفة على جوهر الواقعة، كما نجد [رولان بارث] يرمز لهذه الشفرة بـــHER ويعرّفها أنها "مجموع الوحدات التي تلعب دور التقطيع بطريقة متنوعة، إذ إنّ سنن التأويل هو تمييز بين مصطلحات شكلية ترتكز على صياغة حيلة محبوكة في لغز يستدعي أنظمة تكوينية تدفع بتكثيفه وتراكمه بإنشاء سؤال يراوغ فيه الكاتب، إذ يتأخر الكشف عن الجواب، وتكون صيغة التعبير عنه متكرّرة وغير ثابتة."[5]

إنّ رواية "خطوة في الجسد" انطلاقة حكي محبوك في سر يراوغ من خلاله الكاتب بحيلة يوهم القارئ في غرائبية جوهر الحكاية التي تسري على لسان الناس في البحث عن العلاقة التي تجمع بين يوسف وباية، والتهمة التي ألفقت للبطل، فتأتي صياغة سرد القصة في ألغاز جمةّ تساهم في إثراء سيرورة تشويق القارئ في متابعة مسار القصة، وبالتالي نمو منهج المكاشفة أثناء القراءة ليؤسس الكاتب بذلك في ذهن القارئ قضية المساءلة في الكشف عن العلاقة بينهما؟ من هي باية؟ بماذا أُتهم يوسف؟ لماذا القصة أضحت ممنوعة ؟ وما علاقتها بالسلطة؟ هل باية امرأة حقيقة أم مجرد وهم؟ وما علاقتها بسيدي بومدين؟ لماذا بجاية وتلمسان بالذات؟ إنها مساءلة التراث والتاريخ الذي يكشف عن الهوية الجماعية.

وعلى أساس ذلك كانت صياغة الرواية تُشكّل أحد مرتكزات الشفرة التأويلية، باعتبار أن القصة في مجملها تؤسّس لغزا محيّرا على مستوى النص والخطاب معا، وعلى مستوى البطل-يوسف - المؤلف والوطن ثانيا     وفي متابعة ذلك الأثر نجد أنّ اللغز في الرواية كان ملفوفا بتقنية تعبيرية مكثّفة تمثلها جوهر الشخصيات وحتى الأشياء والواقعة في حدّ ذاتها، وهذا ما جعله يُشكّل تحدّيا للقارئ الذي يستدعي آلية القراءة ليسعى جاهدا إلى ترويض النص وتدجين مرجعيته.

كان السؤال إذن دعامة تحفيز المكاشفة على أحجيات النص أحد الصيغ التعبيرية الأولى التي تؤسّس أنطولوجيته السردية وأنساقه المفهوماتية، ويبدأ مسار الحيرة منذ الكلام الذي كانت تردّده تلك               الجماعة :"...حكاية يوسف ولد المهدي الخراز مع باية البجاوية كلها كذب في كذب...يوسف كان معلما بالمدرسة التحتانية في سيدي يعقوب ولد عائلة..مربيّ..خاطيه هاذيك التهمة...من قال لك أنّ هذا ما وقع.. الذي أعرفه أنا..والذي قيل لي هو أنّه جاءت جماعة في الليل وأخذته.. ما عرفوا وين غاب..اختفى.."[6]

كان الحوار الأولي بين السكارى يثير حيرة في ذهن القارئ بحثا عن أجوبة: لما القصة بالنسبة لهم تنتمي إلى الخرافات؟ ما الشيء المتهم به يوسف؟ ماذا ارتكب؟ وما الذي وقع؟ ولماذا اختفى وغاب ؟ هذه هي التوليفة الأولى للغز الذي يستمر على متن الرواية بطرق متنوعة تعمّدها المؤلف؛ حيث تتحول أكذوبة الواقعة إلى امتناع وحتى إذ تداولها السكارى فيتم ذلك في خلواتهم بعيدا عن الناس "وحتى الذين يجرؤون على روايتها علنا فعليهم أن يتخفوا عندما يشرعون في ذلك...لا أحد يصدّق أن البجاوية امرأة حقيقية، لذا يتكتمون عن البوح باسمها أيضا أمام الشرطة...لقد صارت هذه الحكاية ممنوعة عن الناس لأنها مرتبطة بالدولة".[7]

هذا الملفوظ السردي يصطبغ بتوليفة حكي يثير دهشة الحيلة مرة على مستوى صدق الحكاية، ومرة أخرى في التشكيك في شخصية باية وارتباط القصة بالسلطة؛ وانطلاقا من ذلك يبدأ السارد تفننه في ألاعيب الكشف والحجب في آن عن سرد الحقيقة والممكن في متن الرواية؛ ليجعل شخصية الصديق الممرض بنعمر وسيطا بين الحكاية وجماعة السكارى لينقل إلينا مسار الواقعة وحيثياتها، إذ في ذلك النقل الشفوي لمكتوب يوسف يظل اللغز مستمرا في قول بنعمر حينما ألحت عليه الجماعة ليخبرهم بحقيقة ما جرى بعدما أن اختلطت عليهم الأمور قائلا: "كيف أقول الذي لا ينقال"[8].

وعلى متن الرسائل التي يقرؤها بنعمر على لسان يوسف بضمير الأنا يُثار لغز آخر في بحث يوسف عن سر أنوثة باية، التي أضحت تحيّر يوسف ويرغب دوما في مكاشفتها قائلا:" لا أدري لماذا تُصرّ باية على إخفاء بهاء أنوثتها عنّي بهذا الشكل؟...هذه الجالسة قبالتي، الحاضرة بين يدي..الغائبة عني".[9]

يستمر أسلوب التأخير عن التصريح بالواقعة حتى في تعبير يوسف عن أحوال المدينة وأيامها المثلجة في قوله: "...لا يمكنك أن تمر عبر المحلات لترى وجهك، لترى إن كنت لا تزال حيّا..لا يمكنك التأكّد من شيء لأن الضباب الذي تخلّل الانهمار الذي يزداد كثافة كلّما أمعنت فيه لتكشف السر".[10]  

انتقل السر من ضبابية صدق الحكاية التي تجمع يوسف وباية إلى سر يحويه وطن بأكمله أجلته الثلوج التي أضحت ضبابا عن المكاشفة، وحتى في وصف يوسف عن نزهته مع باية في الطرقات الخالية أنّهما كانا سعيدين..فصار الوطن أبيضا في تلك اللحظات، ناصعا، والمدينة فرحة بشكل سري .ص48.

بدأ يوسف يسرد يومياته في معاناته الشخصية وحتى على مستوى الوطن وأجزائه المشكلة له وعن حيرته في فهم الأسرار التي تكتنف هذا الوطن، وفي حديثه عن شريحة دينة كانت تمثل وجهة طائفية آنذاك واصفا اجتماع أخوه يحي مع أصدقائه في البيت ليلا "...شباب من غير أبناء العبّاد يأتون إلى البيت بعباءاتهم ولحاهم ولم أرهم من قبل. يبيتون عندنا لما يغيب أبي. يتهجّدون مع يحي في غرفته ويستمعون إلى الخطب المسجلة، وينخرطون في البكاء طوال الليل. كان شهيقهم المتقطّع يصلني ممزوجا باللهفة والتأثّر والألم الذي لم أكن أفهم سرّه". [11]

كان ذلك الملفوظ ضمن ألاعيب السرد المكثفة التي تعمّدها السارد ليؤجل ظهور الحقيقة التي تجمع يوسف بباية، ويجعل يوسف ممثلا عن شخص يحمل هواجس المواطنة بسيمها الروحية والاستفسارية في فهم جواهر المبادئ والعقائد والخلفيات، ونموذج أخيه يحي يشكل هوسا في تبني ذاك التيار حينا وإزاحته حينا آخر لذلك استفسر يوسف قائلا:"وكنت أعود فأسأل من أين جاء هذا الانقلاب كلّه ما الذي يجري في هذا البلد حتى يتحوّل أخي هذا العاشق أبدا إلى هذا الكائن الممسوخ؟ ص 67

تتدخل الجماعة لتكسر سرد السيرة الذاتية بيومياتها وأسلوبها المونولوجي بخاصية الحوارية حينما استطرد بنعمر الحديث عن يوسف وأخيه دون ذكر مفصل للحكاية الإطار، حينها يُذكر الصوفي المشهور في تلمسان سيدي بومدين، إنها اللحظة التي يمكننا فيها فك الخيط الجامع بين يوسف وباية، لكن السارد يراوغ في ذلك من خلال كلام قاله بنعمر للجماعة من أجل تأجيل الإجابة وتلغيم غموض الرواية قائلا: وهو يقلّب في الأوراق "كيف؟ تقولون كيف؟..اصبروا يا الجماعة..سأقول لكم..لقد تعبت من هذه الفوضى..فهذه الحكاية أصبحت تتمنّع مني كالعذراء ليلة الدخلة ولا حيلة لي معها".[12]

ينتقل اللغز إلى علاقة باية بتلمسان حينما ألحت على معرفة ضريح سيدي بومدين، فعلم إثرها يوسف أن هذه البنت ذات العيون السوداء الواسعة والشعر الليلي غريبة عن تلمسان وتريد أن تكشفها.ص 90،91

وعليّه رجح يوسف أن باية وسيدي بومدين ربما من أصول واحدة، ليقول أن باية النموذج يعود إلى تلمسان ليبحث عن صورته، إلى جانب ذلك انتقال السارد إلى وصف حيرة يوسف النفسية بحثا عن ذاته كلّما شعر بشيء ما انكسر بداخله وأنه لا يستطيع تحديده..إحساس غامر يؤرّقه ولازال لم يتعرّف على سرّه ويظن أنه لا يستطيع تخطي الحجاب ..وبحثه عن المعنى ..معنى ما..عن ذلك التوافق المستحيل بين ذاتي والواقع، لكن بيني وبينه دوما أكوام من الأجساد المشوّهة...وجود بلا هوية" ص102/103.

إضافة إلى سر باية وهاجس البحث عن الذات والهوية التاريخية في تفكيك مخطوطات مسجد وضريح سيدي بومدين، يُقحم سارد اليوميات أحجية المنقانة -الساعة الحائطية- تعبيرا عن مرّ السنوات، إذ تبقى الجراحات ذاتها والآلام نفسها تتجدّد في كل مرة...قال لنفسه " إنّنا لا نعرف العصور إنما هو امتداد فقط لخيط الدم منذ الرومان إلى زمن "قادة بن شيحة".ص 119

وذلك كان تعبيرا رمزيا عن الدورة الفلكية التي تحتضن الجزائر يوميا من مشاهد القتل وتكرارية الحدث.

من خلال الأسماء التي أخصّها الكاتب بالذكر بطلي الرواية: اسم يوسف وباية، وخصّص لكل منهما السارد صفات مركّبة تحمل بطاقاتها الدلالية: يوسف ولد المهدي الخراز، باية الصنهاجي-البجاوية- فنجد كذلك أن لهذه الأسماء التركيبية لغزا تأويليا، باعتبارها أسماء تتميز بالبعد الواقعي وبوصفها أيضا علامة لغوية تُحيل على ذات لها حضورها المرجعي على مستوى الواقع المعيش، فإن الاسم يظل رمزا علامتيا متسما بالأسطورة ومقتضياتها: يوسف أسطورة النبي وإخوته، ووصفه بالصفصافة المتوحدة، باية أسطورة "باية القبائلية" المقاوِمة كما صورها عز الدين مدور في فيلمه (جبل باية) عام 1997[13] فتجمع بين الأسماء درب البحث عن الذات في هوية تاريخية أسسّها الكاتب بين تلمسان وبجاية؛ باعتبارهما رمزا من رموز الوطن، فبين يوسف وباية مبدأ التوسط ويتمثل في تلك الهوية والمكاشفة عن الذات.

file:///C:/Users/ASUS/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.gif" width="12" height="24" />يوسف ------ باية

file:///C:/Users/ASUS/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image002.gif" width="12" height="23" />تلمسان ---- بجاية

 

الهوية الجماعية( التاريخ والتراث) نصل في الأخير إلى إثارة لغز ينبثق عن تلك الأحجيات السالفة الذكر واليوميات التي تعمّد السارد عنونتها إلى البحث عن علاقة البطل يوسف بالسارد والمؤلف "حسين علاّم"؟ ماذا يُخفي المؤلف من خلال حكاية يوسف؟ هل يوسف يعكس سيرة ذاتية للروائي "حسين علام"؟ هي أسئلة كثيرة تعمّدها المؤلف ليثير انتباه القارئ من خلال ألغاز ملفوفة بصيغ تعبيرية فنية مكثّفة ومكرّرة قصد تأجيل الحقيقة ، فالقارئ المنبه بمرجعياته المعرفية يتمكن من إدراك طريقة التصريح عن تلك الألغاز التي كانت بؤرة أحد أصوات نسيج النص.

ب-الشفرة الدلالية:

كان الدافع وراء قراءة الرواية هو الكشف عن مضمونها والتعرّف على جوهر الهوية التي جمعت يوسف بباية، وعلى متن الرواية مجموعة من الدلالات والمفاهيم التي أرساها السارد كمرجعية خلفية تُثري نصّه السردي على مستوى الخطاب، نجد [رولان بارث] يرمز لهذه الشفرة بـــــSEM ويقصد بها الشفرات المعالجة للبنية التيمية   إذ على هذا المستوى يمكن الإمساك بالمعنى والبحث عن شكل المضمون، فالشفرة الدلالية حسب مفهوم (بارث) هي مهمة القارئ لأنّها "تأتي من ملاحظة أن كلّ قارئ لنص يؤسّس في ذهنه دلالات خفية لبعض الأفكار والكلمات، ثم يأخذ بوضع هذه الدلالة مع مماثلاتها مما يلمسه في عبارات أخرى من النص نفسه".[14]

إن شفرة الدلالة تنكشف في رواية "خطوة في الجسد" على عدّة مستويات أولا من جانب اكتشاف الجماعة لمسار الحكاية الإطار وحقيقتها، اكتشاف يوسف لحقيقة وجود باية في تلمسان والرابطة التأصيلية التراثية التي تجمعها بسيدي بومدين خاصة وتلمسان عامة، ثم اكتشاف باية أنها امرأة حقيقية، ثانية من جهة القارئ المتابع لمسار متن الرواية وطريقة تشكل المعنى فيها وتقديم خطوات المراسلة واليوميات التي كان يراوغ فيها السارد حيث أنّه جعل من النص حجابا يخفي ويكشف في آن، ما جعله يشكّل تحديا للقارئ ، وسردية الحدث بجزئياته ونوعياته المعنونة كانت إشارات فكرية تعين القارئ على تفكيك رمزية النص .

كانت الدلالة على متن النص مهدّدة بالظهور حتى في المعاني اليومية المعاشة وسط الجماعة وفي ذلك عدّة إشارات نستحضرها من نص الرواية ..."قليل من الكلمات الضرورية فقط بين كائنين يعرفان بعضهما جيدا. الكلمات التي تكفي للعيش يوما واحدا لا أكثر...لأن البوح سيكون فضيعا ولن يفهمه..."[15]

ترتبط الدلالة إذن بلغة الصمت ومبدأ المعايشة واستمرارية الحياة في محاصرة الموت بين تجربة الجسد وتجربة اللغة؛ حيث يقول السارد "الموت ملك خالص للذين يجربونه. لأنه على الرغم الكلام الذي يقال..سيبقى دوما حالة شخصية..لن نُدرك فظاعتها لأنّنا لا نستطيع أن نكون في مكان أولئك الذين يقتلون ولا في مكان أمهاتهم وأوليائهم. هو يجربون ذلك في أجسادهم أما نحن فنجرّبه في اللغة..نجرّبه في الكلام..ما دام لم يصبنا..ربّما يتناهى إلينا صداه..صحيح..أو يصلنا صهده، لكنّنا ما دمنا لم نمت بعد أو لم نقتل فإنّ كلّ كلام سيبقى بلا معنى..وعندما نجربه..وعندما نذوقه..حينها..لن يهمنا ما سيقوله الناس عنّا وعن موتنا، لأن الكلمات ستصبح مجرد عبث".[16]

أضحى المعنى بلا معنى إنه مجرد عبث كتلك الكلمات التي تلقى في التعازي وفي الجرائد كلمات أنهكها الاستهلاك اليومي، وبالتالي ليس لها معنى، وعليه دوما يستعصي الإمساك بالمعنى في الرواية لتقنية يراوغ فيها السارد بين الإخفاء والتجلي في آن بالنسبة ليوسف وهمومه وآلامه في الوطن وحتى القارئ، إذ في حديث الجماعة بين بنعمر في مواصلته الحكاية حينما سأل بنعمر قائلا:

-هل تتصوّر أن هذا النوع من الوصف سيجعل هذه الحكاية ذات معنى؟

-من قال أننا نريد أن نبحث عن المعنى..نحن نريد أن نسمع حكاية تؤثّر في نفوسنا...[17]

هنا إشارة المؤلف إلى أنواع القراء، فالنموذج المذكور هنا هو القارئ العام الذي يسعى لاكتشاف مسار القصة من حيث تقنية التشويق فيها، أما القارئ الضمني فهو ذلك الذي يحفر في مرجعياتها وتدجين رمزياتها بالتالي الإمساك بالمعنى الذي يظل عبثا وبلا معنى من خلال تقنيات التأجيل التي يراوغ من خلالها الكاتب.

كما أن المعنى على حسب رحلات يوسف السردية ليومياته وترديد مذكراته، يعبّر عن صعوبة المكاشفة على حقيقة الأشياء ومعانيها بثنائية الجسد والدلالة يقول:" كم كان صعبا التأقلم مع هذا الوضع الجديد. لأني لم أكتشف هذه الأشياء إلاّ بعدما هجعت هنا شهورا. لقد أخذت الوقت الكافي كي أصفو من الكدر في داخلي. أخذت الوقت الكافي لكي تجفّفني الشمس كالطين في النار لأنه عندما نكون أصحاب يقينيات ونكون متمسكين بلحم الأشياء، اللحم المحترق للأشياء الصلبة، نعيش الشقاء كلّه، وهندما نكون متمسكين بما يمكن أن يسمى المعنى وعندما يكون الثقل في الأقدام وعلى الأكتاف، واليدين، وداخل الصدر سنسقى أكثر ونتعب كثيرا في التخلّص من كلّ ذلك لأننا سنعلن أنفسنا عندما لا نجد ما نعلنه كما وقفنا وجها لوجه أمام الحقيقة."[18]

يظل المعنى مرجأ في متن الرواية بمختلف رمزياته الضمنية التي تعبر عن فنية المزاوجة بين جمالية العمل وتشكّل المتخيل فيه، إلى آخر الكلام الذي ورد في بطاقة بريدية من يوسف يختتم بها المؤلف خطابه السردي قائلا: "يقول يوسف ولد المهدي الخراز: التحية لك أيّها الصديق.. أرجو أن تكون بخير وأن تكون يومياتي معك دائما. أما عني فهذه ساحة النجمة في بجاية.. وذاك هو البحر ..وهذا أنا".[19]

تلك الخاتمة تجعل من النص الروائي سيرورة لا متناهية في تعدّد التأويلات وانفتاح الدلالات فيها؛ وبالتالي يظل المعنى مرجأً، وإلى جانب مرتكزات الشفرة الدلالية تفكيك الخطابات الرمزية في ثنايا الرواية التي سنكمل الحديث عنها في الشفرات النصية المتبقية.

ج-شفرة الأحداث:

إن رواية "خطوة في الجسد" التي تتسم بآليات متنوعة للسرد عبر ألاعيبه السردية في تأجيل ظهور الحقيقة بمختلف قصصها المضمنة لحكاية الإطار وسيم مغامرة الكتابة السردية فيها، يكون الحدث بينة أساسية في مسار الرواية من خلال أثر الفعل الذي تجسّده الشخصيات أو نمو الواقعة في حدّ ذاتها عبر سيرورة اليوميات، فماهية الحدث تعتمد على وعي القارئ لإدراكها ولتحديد تنامي الحدث وسيرورته، إذ يعرّف [رولان بارث] هذه الشفرة بأنّها "شفرة الأفعال التي تشمل على كلّ حدث داخل القصة... وهو من يحدّد نوع الأثر الأدبي... والحدث لا يكون إلا من خلال تمثّل اللغة له، لأنّنا لا ندرك الحدث إلاّ بالتعبير عنه، وتتمثّل في كل أفعال القصة".[20]

   وكذلك نجد (بارث) يحدّد هذه الشفرة كأثر للقراءة التي تساهم في إثراء المعلومات، وأنّ المتتالية تنمو برتم تسمية الأثر الذي نسعى لإثباته، وأنّ هذه الشفرة لها عمادها التأسيسي ويتمثّل في التجربة أكثر من المنطق.

وعليه تكون واقعة الحدث الروائي هنا ممثلة بين ازدواجية تجربة الجسد وتجربة اللغة، إنها سيرورة أنطولوجية في التعبير عن تجربة إنسانية بكافة أبعادها، وهي بذلك حدث عام تمثله سرد اليوميات والمذكرات التي كانت وصية عبر تقنية المراسلة وتحوير الحكاية بين المشافهة والكتابة، فشفرة الحدث تتجلى في معظم النص وحتى في نمو المسار السردي وبرامجه الموضوعاتية والقيمية، حيث يظل الحدث أثرا إنتاجيا في استقراء كينونة النص الروائي ومعرفة فعاليتها من خلال الكشف عن مستويات الخطاب وقصدية الفكر.

د-الشفرة الثقافية:

تُمثل هذه الشفرة أحد المرتكزات المعرفية التي اعتمدها الروائي أساسا في إبداع متنه السردي، فهي بذلك تلك الخلفية المنهجية المنتشرة داخل النص، وحسب تعريف [رولان بارث] فهي " تشمل الخلفيات المعرفية التي تشير إلى ثقافة ما، تتسرّب من خلال النصوص، فهي شفرات معرفية والحكمة التي لا ينقطع النص في الرجوع إليها والاعتماد عليها."[21]

بصفة عامة تتمثل الشفرة الثقافية أساسا في تجسيد حادثة استرجاعية بمثابة إشارة إلى ظروف معينة كانت سائدة في البلد الجزائري والمنطقة الغربية على وجه التحديد، وعليه اتخذت الحكاية بعدا نقديا في استعراض موقف الإنسان تجاه تلك الحياة.

إن القارئ المتمعّن في النص يستشف عن البنية الثقافية التي تشكّل من خلالها متن النص؛ أولا من خلال لغة السجل اليومي بمفهوم اللغة العامية وأغانيها الشعبية لتجسيد مجموع العادات والتقاليد التراثية، إضافة إلى تقنية التناص والاقتباس ما جعل معجم النص ثريا ومتعدّدا؛ حيث ينم ذلك عن ثراء في خلفية فكرية يمتلكها الروائي من فلسفة ومعرفة وطرق منهجية في التعامل مع الأشياء، كما أنّ ذلك يعبّر عن نمط مميز في الكتابة الروائية الجزائرية المعاصرة، وسوف نفصّل الحديث عن الخلفية المعرفية التي تؤسس الشفرة الثقافية أثناء الانتقال بالحديث عن التناص في النص وتحديد مرجعياته الفكرية.

و-الشفرة الرمزية:

تتمثّل الرمزية في نص "خطوة في الجسد" في مجموع الخطابات التي تعمّد السارد تضمينها من أجل إثراء الخلفية المرجعية للنص من خلال أسلوب التجلي والخفاء في عرض المذكرات بطريقة مضمرة محيّرة؛ من أجل شد انتباه القارئ، الذي بدوره يستلزم نداء آلية فك حجاب النص، ويتمثل ذلك في عدّة نقاط أحاول حصرها كالتالي:

-الحكاية ممنوعة علنا، وبالتالي هي رمز

-إدراج الخطاب الصوفي والاعتزال في ثنايا مقاطع الرواية، مثلا: "...يوسف كما أعرفه منذ طفولته.. عايش مع الناس ولا يكلّمهم كثيرا. حاضر، غايب، غارق في العزلة. هايم.. دايم في ما لانعرف..."ص53. أيضا في حديث يوسف عن باية قائلا: "...ها أنت هنا قريبة مني وبعيدة عني.. لا يمكن أن تطالك يدي وأنت فيّ ومني. ها أنت معي ولا يمكن أن أصل إليك". ص 138، ..."الفراق والبعد واللوعات والشوق، هذه كلها تبعدني عن تلك المدينة.لست أفهم لماذا؟ هل يجب أن نسافر أبعد من ذواتنا حتى نراها في صورة أحسن مما هي عليه حقيقة؟ هل علينا أن نغادر حتما كي نرى؟. ص 190، وفي استدراج الحلول يقول يوسف: "ألا يقولون إنّك دوما بحجم ما ترى؟ إني بحجم الصحراء التي لم أعد أراها في هذه اللحظات لأن الشمس ذهبت تماما ولم تعد الصحراء تراني لأننا أصبحنا بالحجم ذاته" ص 195.

-حضور الخطاب الاشراقي في فكر التنوير في قول يوسف عن باية : ".. لقد أشرق القلب بالضياء ..ص138.

-مبدأ سقراط في المعرفة الذاتية اعرف نفسك بنفسك في قول يوسف ص58:" أنا نسيج وحدي. أريد أن أصل إلى معرفة الأشياء ووحدي. بطريقتي الخاصة.

-الخطاب القرآني من خلال الاقتباسات المؤسلبة، إضافة إلى تضمين نصين رمزيين إلى يوميات الحكاية الأول هو نص يحي بن خلدون والثاني نص ابن عربي.

-تقديم فكرة العقلانية النقدية في متن النص من خلال هذه الملفوظات السردية التالية:"...لسنا جديرين بآلام الجزائريين عبر تاريخهم الطويل من القهر والنضال. فنحن لم نقف عنده في يوم من الأيام بجد. لم نتأمله كما ينبغي لنضع حاضرا مختلفا" ص 147. كذلك قول يوسف لخالته ص69:"نحن يا خالتي في هذا الوطن نجرّب دوما أوهامنا على أشلائنا. على بساط من الدم والخراب. لا نفكر، لا تختبر الأشياء بالعقل ثم في الواقع"

إنّها دعوة منهجية في التفكير العقلاني؛ انطلاقا من إزاحة الأوهام والتشكيك في الأشياء واختبارها عبر الممارسة واستمرارية نهج المساءلة ودرب المكاشفة؛ باعتبار أن الإنسان كائن تاريخي متسائل.

-تقسيم الرواية إلى أجزاء معنونة ولكل عنوان رمزيته وقصديته .

- استثمار مجموع الأساطير التاريخية والتراثية التي جعلت من النص فسيفساء مجموعة من النصوص مع فنية التخييل لأسطورة يوسف والبئر، زلقوم أسطورة شعبية قبائلية أسطورة أوديب في علاقة يوسف بوالده...

-رحلة البحث عن الذات من خلال مساءلة التراث فالإنسان كائن تاريخي، وبالتالي البحث عن تلك الهوية الجماعية...إلى غير ذلك من المفاهيم الرمزية التي تشكل هوية النص.

إنّ الشفرة الرمزية على حدّ تعبير [رولان بارث] قائمة على التصوّر البنيوي من خلال انبثاق الدلالة استنادا لمبدأ التعارض الثنائي الذي يقوم على الاختلاف بين العناصر المكوّنة للنص، ويتجلّى ذلك في الاستخدام البلاغي مثل الاعتماد على الطباق."[22]

استنادا إلى هذا المفهوم البارثي، تتجلى لنا الشفرة الرمزية على مستوى البلاغة النصية؛ من حيث نمط الكتابة عند الروائي "حسين علام"، إذ نجد النص حافلا بالسجع وزاخر بآليات الكتابة البلاغية التي من خلالها نجد الراوي يعرض لنا توليفات ثنائية بطابع الاختلاف والجدل: الحياة/الموت،

الحقيقة/ الزيف، التجلي /الخفاء وفي وصف يوسف لباية: أنسي وجرحي، سهوي وصحوي وسكري، لذّتي وأذاي..الانبعاث/الموت، صمتي وخفقي، سكوني وجنوني...

إن الرمزية في رواية "خطوة في الجسد" جسّدت أثرا شعريا منسجما وبؤرة نشاط القراءة التي تثري دينامية الخلفية المعرفية لاستحضار النصوص واستكشاف الدلالات التي تتضمنها، باعتبار أن النص شبكة دلالية مكّنت القارئ من إعادة تشكيل النص وإبلاغ إنتاجيته.

 

----------------------------------------

[1]-حسين علام، خطوة في الجسد، رواية، جائزة مالك حدّاد 2005، منشورات الاختلاف، الجزائر، ص 147.

[2]-الرواية، ص11/12.

[3]-د. شكري عزيز الماضي ، أنماط الرواية العربية الجديدة، سلسلة عالم المعرفة،عدد335، إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سبتمبر 2008، ص 37.

[4] -Roland Barthes ; s/z ; Edition du Seuil ;1970 ;p24.

[5] -Ibid ; pp 24,25.

[6]- الرواية ص9،10

[7] -الرواية ص 11.

[8] - الرواية ص 26

[9]- الرواية ص39.

[10]- الرواية ص 41.

[11] - الرواية ص 65،66.

[12] -الرواية ص 82،83.

[13] -مقال الحبيب السايح عن خطوة في الجسد، جريدة صوت الأحرار 26 ماي 2001.

Roland Barthes ; s/z ; p25.[14]

[15]- الرواية ص 34،35

[16]-الرواية ص 146،147.

[17]- الرواية ص153،154.

[18]- الرواية ص 194.

[19] الرواية ص 278.

Roland Barthes ; Ibid ; P 24[20]

Roland Barthes ; op.cit ; P24  [21]

-Roland Barthes ; Ibid ; P 24.[22]

فلسفة و ثقافة

علوم اجتماعية

علوم انسانية

أدب و ترجمة