
في تعلمية الفلسفة (بناء المقالة ومحطاتها)
الأستاذ حميدي أوبليل
مفتش التربية والتكوين
بناء المقالة ومحطاتها :
بناء المقال الفلسفي:(ما هي ثوابت البناء الفكري للمقالة الفلسفية؟)
إنَّ البناءَ الفكري للمقالة الفلسفية لا يتم بصفة جيّدة إلاّ إذا ما أُنجِز هذا العمل بكل دقة وعناية وذلك، بتنظيم الأفكار وترتيب مراحل الإنجاز عن طريق التخطيط له . ويمرُّ هذا البناء بثلاث مراحل أو محطات أو ثوابت، وهي:
- المقدمة ( طَرحُ المشكلةِ )؛
- العرض ( محاولةُ حلِّ المشكلة )؛
- الخاتمة ( حلُّ المشكلةِ ).
لا نعني بالثوابت ذلك المفهوم المطلق والسكوني للكلمة في عالم لا ثابت فيه إلا المتغيرات؛ وإنّما نعني به المحطات أو المراحل التي كرَّسها التقليد، ولم يعد الاستغناء عنها، أمرا مشروعا.
ثوابت المقالة:
1_ المقال، من حيث الشكل وكفاءاته:من حيث هو خطة من حيث هو تقنيات منهجية طرح المشكلة
* البداية: مدخل؛
* المسار: الدافع إلى السؤال؛
* النهاية: السؤال.
*المقدمات المسلم بها؛
*إبراز التناقض ؛
*ما هي المشكلة والغرض منها.
محاولة حلّ المشكلة
*البداية: التصريح بطريقة المعالجة ؛
*المسار: التصريح بالغرض الذي يجب تحقيقه تدريجيا ؛
*النهاية: الربط بين المسار ومحطة حل المشكلة. *المنطق العام للأطروحة ؛
*أسس بنائها الفكري ومنطلقاته ؛
*استنتاج لمحاولة حل المشكلة .
حلّ المشكلة
* البداية: الانطلاق من الاستنتاج ؛
* المسار: موقع المشكلة منه ؛
*النهاية: الإجابة عن السؤال، وإذا اقتضت الضرورة المنهجية سؤال فتح الأفاق .
*النتائج المحصل عليها ؛
*علاقة المشكلة بهذه النتائج ؛
*الخروج برأي مؤسس: قد يكون نهائيا أو مفتوحا على مجالات بحث أوسع.
2 - المقال، من حيث المضمون وكفاءاته:
طرح المشكلة
- الإطار المادي ومحتواه المعرفي المناسب:
- حسن انتقاء واستثمار المعلومات.
محاولة حلّ المشكلة - الإطار المادي ومحتواه المعرفي المناسب : من
- فهم صحيح؛ وتحديد دقيق؛ وتحليل سليم؛ وتركيب محكم؛ ونقد مفحم تأييدا أو تفنيدا؛ وموقف مؤسس؛ وتبيين بالمثال والاستشهاد؛ حسن انتقاء واستثمار المعلومات.
حلّّ المشكلة - الإطار المادي ومحتواه المعرفي المناسب: حسن انتقاء واستثمار المعلومات.
من حيث المبنى: يتألف كل مقال فلسفي من حيث بنائه من :
أ) طرح المشكلة أو الإشكالية ( المقدمة )؛
ب) محاولة حلّ المشكلة أو الإشكالية ( العرض )؛
ج) حلّ المشكلة أو الإشكالية ( الخاتمة ) :
◄ أولا، طرح المشكلة ( المقدمة ): المقدمة، مرآة تعكس درجة فهم الموضوع ووعي بأبعاده .
إنَّ أوّلَ جزءٍ يواجه المتعلّمَ وهو يحاول تحرير مقالة الفلسفية هو المقدمــــة:
فما هي الضرورة المنهجية للمقدمة في المقال الفلسفي ؟
إنّ المغزى من هذا الطرح هو«أن فهم السؤال الفلسفي، هو في الحقيقة، كل الجواب؛ وأن المقالة الناجحة، هي الطرح الناجح للمشكلة».
* وظيفة المقدمة:
إنَّ المقالَ يحمل مشكلةً أو إشكاليةً، ودور المقدمة يتمثل في إبراز المشكلة أو الإشكالية عن طريق، حصرها وصياغتها. وتتحدّد الوظيفة المنهجية للمقدمة، في إبراز الإشكال أولا، وهو ما يمكن تسميته بالجزء التمهيدي للمقدمة وصياغته ثانية، على شكل سؤال، أو مجموعة أسئلة، وقيمة هذه الأسئلة هي وضع القارئ في الموقف الإشكالي من جهة، وإظهار الإطار الذي تعالج المشكلة فيه من جهة ثانية، وبناء عليه، يمكن القول أنَّ المقالةَ الفلسفية هي أصلا، معالجة قضية أو مشكلة فلسفية. وليس بدعا أن تتخذ من هذه القضية في صياغتها الاستفهامية، حافزا تشحذ به الفضول للبحث عن الحلول المناسبة.
* أجزاء المقدمة أو ثوابتها:
إنّ منهجية تحرير المقدمة تقتضي الالتزام بمحطات متدرّجة، يمكن إجمالها فيما يلي:
أ. الجزء الأول: تمهيدي [ مدخل ؛ مسار ]الغاية منه الوصول إلى الموضوع بعد وضعه في إطاره المرجعي، فالتمهيد هو تحديد لموطن الإشكال وإبرازه انطلاقا من: ما هي مراحل التمهيد؟
1- المدخل: الانطلاق من مسلمات ومعطيات يأخذ بها الحس المشترك، ولا يرى فيها، مجالا للتشكك والارتياب ؛
2- المسار : إبراز ما يخالفها (أو يعارضها أو يناقضها أو يعاكسها أو يضادها) من معطيات في نفس السياق ( وهو الموضوع )، وهذا من شأنه أن يزعزع المعتاد، ويثير الحيرة الذهنية، والقلق النفسي؛
- أمّا إذا جاء المدخل تعريفا لمفهوم أو فكرة عامة ، فإننا نفضل في المسار أن يبرزَ المتعلّمُ الاختلافَ أو التناقضَ الممكن بين أطروحات فلسفية ترتبط القضية الفكرية موضوع المقال الفلسفي.
ب. الجزء الثاني: طرح المشكلة (= سؤال أو [ أسئلة ])
- طرح المشكلة الفلسفية: إنَّ الحيرة الذهنية، والقلق النفسي، تدعوان الفضول العقلي إلى التساؤل عن المخرج من هذه القضية الفكرية المحرجة. وتُطرح هذه المشكلة، في صياغة استفهامية واضحة، وفي سؤال واحد أو أكثر- من الأفضل أن لا يتجاوز الخمسة أسئلة- ينطـــلق طرح المشكلة من سؤال رئيسي، ومنه تتفرع الأسئلة التي تكوّن العناصر الفرعية للمقال، بحيث تُرتب بصفة متدرجة ومنطقية، توحي بالتخطيط المزمع إتباعه في معالجة الموضوع.
وهكذا فإنَّ المقدمةَ ليست مجرد فكرةً ساذجةً يقعُ بسطها في بضعة أسطر، بل هي إثارة لمشكلة محدودة وضبط للمسائل التي تتفرع عنها.
وبهذه الطريقة يمكن للقـــارئ أن يشعر إثر إطلاعه على المقدمة بجزأيها، بأنَّ الموضوعَ قد وقع فهمه وأنَّ المعالجةَ ستتم بكيفية مضبوطة، ذلك لأنَّ المقدمةَ تعكسُ درجةَ فهمِ المتعلّم للموضوع ومدى وعيه بأبعاده المختلفة .
v ما هو عدد سطور المقدمة ؟ { المدخل ؛ المسار ؛ السؤال }
إنَّ عددَ سطورِ المقدمة يتناسب طردا وعدد سطور المقال الفلسفي ويمكن القول أنَّ طولَ المقدمةِ يمثلُ نسبةً مئوية تتراوح من 10 إلى 15 % من المجموع ( كم ) المقالة.
ماذا يجب أن نتجنبه عند كتابة المقدمة ؟
أ. الإطالة التي تجعل المقدمة تفقد وظيفتها المنهجية.
ب. الاختصار الشديد الذي لا يجعل منها مقدمة وظيفية.
جـ. العمومية والابتذال ، فلا ينبغي أن تكون المقدمة عامة ومبتذلة.
د. أن تتضمن موقفا أو حلاً سيصل إليه المتعلّم في الخطوة الثالثة من المقال .
هـ. أن تتضمن شيئا من المعالجة، الأمر الذي يتناوله التوسيع. فإن خلت المقدمة من هذه العيوب وغيرها وقامت بالوظيفة الموكلة إليها اعتبرت مقدمة صالحة، وكونت الركن الأول للمقال الناجحة.
◄ ثانيا، محاولة حل المشكلة ( العرض ):
إنَّ طرحَ السؤال الفلسفي، لا يستتبعه منطقيا ومباشرة، الجواب؛ ولا يقتضي التوسيع أو البسط أو مجرد التحليل. وإنّما يدعو المتأمل إلى محاولة حلّه، بناء على اعتقادٍ، وهو أن التساؤل الفلسفي يفترض بطبيعته، عددا من الأجوبة المحتملة. وأن الإجابة ليست قطعية، لأنّها مجرد مبادرة مؤسسة على الحجاج، القصد منها الإقناع . ومن المراحل المنهجية المتدرجة والضرورية التي يكرّسها التقليد، ما يأتي :
1- الإعلان عن طريقة حلّ المشكلة المطروحة، وعن تقدّمها المتدرج ؛
2- عرض بعض المحاولات في هذا السياق ، وذلك حسب الطريقة المختارة لمعالجة المشكلة:
أ- عرض منطق موقفٍ ما من المشكلة، أو أطروحةٍ ما؛
ب- عرض منطق ما يؤيده ، أو يفنده ، أو منطق ما يقابله (أو يخالفه أو يناقضه) ؛
ج- تحديد طبيعة العلاقة بينهما، حسب المطلوب من الموضوع، والتعبير عنه، بالقول بأن العلاقة هي تلازمية أو جدلية... أو التعبير عنه، في شكل موقف تركيبي ، أو تجــاوزي ، أو إثبات صدق أو بطلان القضية المطروحة . واختيار طريقة الاستقصاء الحرّ لا يمنع من تبني ما يشبه هذا المسار المنطقي.
◄ثالثا، الفصل في حل المشكلة ( الخاتمة ):
إنَّ الوصولَ إلى النتائج، هو الثمرة الطبيعة المنشودة التي تصدر عن النمو التدريجي في تقدمه ونضجه. فالفصل النهائي في مشكلة فلسفية، هو استنتاج ضروري للمحاولة التي أنجزها العقل في طروحاته المنهجية واستدلالاته المؤسسة على منطق الحجاج. وهنا، لسنا بعيدين عن طريقة التفكير الرياضي الذي يخضع لمنطق انطباق الفكر مع نفسه، لأن المطلوب هو دائما، النسق الهندسي والبناء الفكري الذي تنسجم فيه، الخواتم مع المنطلقات الأولى التي بدأ منها، الفكرُ عملياته البرهانية.
هذا، وإذا كان مبرِّرُ تحريرِ المقالة الفلسفية، هو طرح المشكلة والتشوق إلى البحث عن الإجابة عنها، فإنَّ الوصولَ إلى الإجابة النهائية، هو المرحلة التي تضفي المشروعية، على العمل المقالي المنجز. وليس المقصود بالفصل في المشكلة، هو بالضرورة، استنتاج قضية تنتهي بانتهاء الاستدلال الذي أنتجه. فقد يتجاوز منجز المقالة، عملية الاستنتاج التقليدية (أو الرياضية)، بتوسيع مجال البحث بحيث يعطي أبعادا جديدة للمشكلة المطروحة، ويربطها ربطا شموليا، بمشكلة أخرى . وهذا من شأنه، أن يؤدي إلى تحويل مجال البحث وتوسيع آفاقه واستشراف المستقبل، بعلامات استفهام، ما دمنا ندرك بأننا نتحرك، في مجال التأمل الفلسفي.
ليس الخاتمة من نوافل المقال الفلسفي، بل هي من عناصره الأساسية فهي تبيّن وعي المتعلّم ببحثه، إذ فيها يقيم البحث الذي قام به من حيث النتائج والمنهج. هدفها هو إبراز وعيه بحدود ما قام به من عمل، ولا عمل فلسفي بدون هذا الوعي.
* ضرورة الخاتمة:
لماذا تعتبر الخاتمة ضرورة منهجية؟
إنَّ كاتبَ المقالِ ومنذ البداية عليه أن يعلم نقطة الوصول التي يجب أن ينتهي إليها. وهو ما يجعل القارئ يدرك أن صاحب المقال بمثابة الدليل المحترف المتمرس الذي ينتهي بصاحبه إلى وجهة معينة ويدلُّ ذلك، على أنَّ كاتب المقالة على دراية تامة بمضمون المقال وأجزائه. ولكن، وللأسف الشديد عند قراءتنا لما يكتبه تلاميذنا ، فإنّ هذه القراءة كثيرا ما توحي لنا توحي لنا أنّهم لا يعرفون جيدا مقالاتهم ولا نقطة الوصول التي ينتهون إليها، وكأنَّهم لا يعرفون ما يكتبون. وإذن، الضرورة المنهجية تقتضي أن يكون لكلِّ مقالٍ خاتمة.
* مميزات الخاتمة: بماذا تتميز الخاتمة في المقال الفلسفي؟
إنَّ الخاتمةَ:
- يجب أن تكون مرتبطة ارتباطا منطقيا، بما سبق عرضه من قبل.
- إنها ضرورية ضرورة الأجزاء الأخرى للمقال.
- إنها تعكس خاصتين أساسيتين وهما: أ. الصرامة المنطقية ؛
ب. الروح التركيبي :
ماذا نقصد بالصرامة المنطقية؟ يجب أن يشعر القارئ بوجود علاقة ضرورية بين الخاتمة وباقي أجزاء المقال، والخاتمة بهذا المعنى تلزمنا بها الضرورية المنطقية. وهو ما يؤكد أن المقال بناء فكري ونسق منطقي.
وماذا نقصد بالروح التركيبي؟ يتجلى الـــروح التركيبي في الخاتمة من خلال الكيفية التي يتم بها إنجـاز الحوصلة بدون تكرار ما ورد في الأجزاء الأخرى للمقال.
* أجزاء الخاتمة: ما أجزاء الخاتمة ؟
الجزء الأول: مرحلة الحوصلة (Le Bilan) وتحتوي هذه المرحلة على قسمين هامين وهما: أ. تقديم نظرة تأليفية موجزة للنتائج التي تم التوصل إليها في التحليل.
ب. إبداء الرأي واتخاذ المواقف اتجاه المسألة المطروحة في المقدمة ويكون ذلك تتويجا للبحث والتحليل، فالخاتمة لها وظيفة دقيقة. يتم فيها رسم حدود النتائج وحدود الطريقة. والبحث الفلسفي يتميز دوما بإدراك حدوده.
الجزء الثاني: مرحلة فتح الآفاق (Lélargissement) ويكون ذلك بإعطاء أبعاد جديدة للموضوع المعالج عن طريق ربطه بفكرة أكثر عموما وشمولية وبمشكل آخر، وهو ما يؤدي إلى تحويل مجال البحث وتوسيع آفاقه.
إنَّ هذه المرحلة لا تكون دائما ضرورية إلاّ إذا شعرنا بقيمتها المنهجية في المقال. وإذا اقتضت طبيعة المشكل المطروح ذلك.
* ما يجب تجنبه في الخاتمة:
أ.غياب الخاتمة: إنَّ الوظيفةَ المنهجية للخاتمة باعتبارها حلا وإجابة وحوصلة ونتيجة للأجزاء السابقة للمقال في حالة غيابها عنه تجعله مبتورا وهو ما يجعل القارئ يضيع في متاهات لا نهاية لها، وبالتالي يضل الطريق.
ب.الخاتمة المصطنعة: إنَّ الخاتمةَ الجاهزة التي لا علاقة لها بصلب الموضوع، ولا تمثل نتيجة منطقية لما سبق عرضه يجب تحاشيها وتجنبها.
جـ.الخاتمة (تحصيل حاصل) التي تعيد ما ورد في الأجزاء الأخرى للمقال وهنا، ينبغي التمييز بين النتيجة التكرارية والحوصلة .
د.الخاتمة المبتذلة (La conclusion Banale): وجوب تحاشى الصور والصيغ المبتذلة العامة والمبالغة في إسداء النصائح والوعظ والإرشاد، فالموقف الصحيح يجب أن يفرض نفسه بقوة برهانه.
هـ.الخاتمة الكارثة (La conclusion en catastrophe):
في بعض الأحيان قد يضيع الوقت من المتعلّم، ويجد نفسه ملزما بوضع خاتمة، فيلجأ إلى إنهاء مقاله بفقرة تتميز بالتفكك وعدم الانسجام. وعلى هذا الأساس، لا ينتظر المتعلّم الدقائق الأخيرة حتى يحرّر الخاتمة، بل يجب وضع الخطوط العريضة للخاتمة منذ البداية.
و.الخاتمة الجزئية: لا يجب أن تكون الخاتمة محصورة في جزء من المقال، بل هي حوصلة حقيقة تتضمن كل أجزاء المقال ومضامينها.
وعليه، لا يجب إهمال الخاتمة، إنَّها عنصر أساسي في المقال والمقالة في الأساس: هي فن الوصول إلى الخاتمة .
ومن المراحل المنهجية المتدرجة والضرورية التي يكرسها التقليد، ما يأتي:
1- التعبير الموجز عن النتائج المنطقية المستخلصة مما سبق عرضه من معطيات ؛
2- التذكير بالرأي أو الموقف الذي تَحَدَد تُجاه المسألة المطروحة؛
3- فتح الآفاق لاستمرار البحث (أو لتحويل مجال التفكير)، وهذه مرحلة، لا تكون ضرورية، إلا في حالة معالجة «إشكالية» يضطرب فيها، الموقف وينعدم حولها، الحلّ المنطقي الصارم والمقنع.
- التفاصيل
- كتب بواسطة: مسير الموقع
- انشأ بتاريخ: 14 فيفري 2022